أدبيات السفر والرحلة (2-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الذين تمثلوا حكمة الشافعي في السفر: «تغرّب عن الأوطان...»، محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبدالله، ابن بطوطة (ت 779هـ).

ولد ونشأ في طنجة ببلاد المغرب، وشرع في رحلته الأطول في العصور القديمة، فنافت رحلته على 75 ألف ميل، تزوج خلالها أكثر من 20 امرأة، وأنجب منهن 70 ولداً، وتعلم في أثنائها التركية والفارسية، وجاس خلالها المغرب، ومصر، والشام، والحجاز، والعراق، وفارس، واليمن، والبحرين، وتركستان، والهند، والصين، والجاوة، وبلاد التتر، وإفريقيا.

واتصل بالملوك والأمراء، فأعانوه على رحلته. وعاد إلى مسقط رأسه، وأملى رحلته على الفقيه والمفسر المالكي ابن جُزَيّ، وسماها «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، ترجمت إلى البرتغالية، والفرنسية، والإنجليزية، والألمانية. لقبته جمعية كمبردج في كتبها بأمير الرحالين المسلمين، وما أنصفوه، ولو فعلوا لسَمُوه: «أمير رحالي العرب والعجم». وما زلنا نسمع في فلسطين عن أسرة «بيت بطبوط»، وتعرف ببيت المغربي وبيت كمال، تزعم أنها من نسل ابن بطوطة.

ورحلة ابن بطوطة متعة حقيقية، غنية بالحكايات والنوادر، تدخل في مألوف الناس وغير مألوفهم، وهو في ذلك كله قوي الملاحظة، شديد الذكاء، سريع البديهة.

وقال ابن بطوطة عن إسلام المالديف: كانت المالديف في كل شهر على موعد مع عفريت يأتيهم من البحر، فيزينون له عذراء جميلة، تنتظره في مكان لتبيت معه حتى الصباح، فقدم عليهم أبو البركات المغربي، وكان حافظاً للقرآن، فعلم بالأمر، فنزل بعجوز تبكي؛ لأنه دور ابنتها، فقال لها: أنا أتوجه عوضاً عنها، وأقام الليل يتلو القرآن منتظراً، وطلع النهار، وجاء أهل الجزيرة ليجدوا الشيخ سليماً، فمضوا به إلى ملكهم وأعلموه بخبره، فعجب منه، وعرض المغربي عليه الإسلام ورغّبه فيه، فقال له: أقم عندنا إلى الشهر الآخر، فإن فعلت كفعلك ونجوت من العفريت أسلمت! فأقام عندهم، وشرح الله صدر الملك للإسلام، فأسلم قبل تمام الشهر، وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته.

 

لمتابعة الحلقة الأولى:

ـــ  أدبيات السفر والرحلة (1-2)

Email