يقول الإمام واللغوي والأديب أحمد فارس الشدياق في كتابة «الساق على الساق فيما هو الفارياق»: «وأدخل رأسه في أضغاث أحلام، أو أدخل أضغاث أحلام في رأسه، وتوهَّم أنه يعرف شيئاً وهو يجهله، وكل منهم إذا درس في إحدى لغات الشرق أو ترجم شيئاً منها تراه يخبط فيها خبط عشواء، فما اشتبه عليه منها رقعه من عنده بما شاء، وما كان بين الشبهة واليقين حدس فيه وخَمَّنَ، فرجَّح منه المرجوح، وفضَّل المفضول». ومن العجيب أن رأيه هذا وافق رأي أديب كبير جاء بعده، وهو العلامة محمود شاكر.
وقد عاش الشدياق حياته يدافع عن اللغة وأصالتها، في كتابه اللغوي: «سر الليالي في القلب والإبدال» مشتقات الألفاظ بعضها من بعض؛ ما أضعف الرأي القائل بأن بعض الألفاظ العربية مأخوذة من لغات الأعاجم، مثل لفظة «كنز» في العربية، التي زعم «الخفاجي» أنها معربة لكلمة «كنج» الأعجمية، وبناء على طريقته في نسق الألفاظ واشتقاقها يتضح أن كلمة «كنز» عربية بأنها من «الكن»، وهو الستر.
وإذا كنا نتحدث عن أهمية كتاب «الساق» في باب السيرة الذاتية فإن الناقد الكبير في كتابه: «فن السيرة» إحسان عباس، قال: ولعل أول سيرة ذاتية ظهرت في العصر الحديث هي «كتاب الساق على الساق فيما هو الفارياق» للشيخ أحمد فارس الشدياق، ومن باب المبالغة المسرفة قول مارون عبود في «الساق»: «لم يكتب مثله شرقي، كما يقصر عنه الكثيرون من نوابغ الغرب».
وقد امتد نشاطه العربي ليؤلف كتاباً في نحو اللغة الفرنسية سماه «سند الراوي في النحو الفرنساوي». وقد لفتت إمامته الإمام محمد عبده ليثني عليه في مجلسه؛ لاستقامة لغته، وأصالة أسلوبه؛ ما جعل السيد رشيد رضا يعترض قائلاً: «أين هو من أسلوب العروة الوثقى الرفيع، ووضعكم لفرائد اللغة الطريفة في موضعها منها؟»، فكان جواب الإمام:
«تلك الألفاظ نديرها، أما الشيخ فهو إمام في اللغة، وأسلوبه غريب، قلما فطن له الأدباء»، ويدهش رضا من الإمام تفضيله على نفسه في الإنشاء، مع أنه أبلغ منه!