أمير ‌الشعراء، وشاعر الأمراء الملك الضليل

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ عصر الشعر الجاهلي الذهبي وحتى عصرنا هذا لا يكاد يخلو جيل من الأجيال عن شاعر مفلقْ يُطلق عليه بعض النقاد لقب «أمير الشعراء». وقد استمر الحال حتى وصل اللقب إلى أحمد شوقي. غير أن لقب أمير ‌الشعراء، وشاعر الأمراء –في نظري-لا يستحقه غير شاعرين؛امرؤ القيس، والمتنبي..!

أما امرؤ القيس – الملك الضلّيل- فهو ‌أمير ‌الشعراء غير منازع، وشاعر الأمراء غير مدافع.فهو ممن أخذ بحبل الجودة والإتقان، وجمع رداء الحسنِ والافتنان.

فلا غرو أن كان يضرب المثل به وبشعره.

عن أبان بن عُثْمَان البجلى قَالَ: مر لبيد بِالْكُوفَةِ في بني نهد فأتبعوه رَسُولاً يسأله من أشعر النَّاس ؟، قَالَ ‌الْملك ‌الضليل فأعادوه إِلَيْهِ، قَالَ: ثمَّ من؟ قَالَ الْغُلَام الْقَتِيل، قَالَ ثمَّ من، قَالَ الشَّيْخ أَبُو عقيل يعْنى نَفسه.

وحَدَثَ للقاضي عبد الوهاب المالكي المشهور ضيقٌ وشدةٌ، وهو ببغداد، فسار عنهم قاصداً مصر، واجتاز بمعرة النعمان، وبها يومئذ أبو العلاء المعري، فأضافه واحتفى به، وفيه يقول:

والمالكي ابن نصر زار في سفر

بلادنا فحمدنا النأي والسفرا

إذا تفقه أحيا مالكاً جدلاً.

وينشر ‌الملك ‌الضليل إن شعرا

ويهمنا هنا نظرة المعري إلى بلاغة القاضي وفقهه، وكيف وصف ذلك كله في بيتين فريدين، وكيف صوره وجمع بينه وبين «‌الملك ‌الضليل» مضرب المثل في صورة واحدة، بلغت من الدقة والجمال منتهاها، صورة لا يستطيعها أحد غير المعري، فهو حجة في إدراك جيد الشعر وأساليبه ومناهجه. ويتجلى ذلك في مهارته على اختصار الشاعر في كلمة واحدة فتمثله بكل أبعاده. فقد لخص أبا تمام بكلمة «ذكرى حبيب». ولخص نظرته لشعر المتنبي بقوله: «معجز أحمد». فمقارنته للقاضي عبد الوهاب بالملك الضليل في شاعريته إنما كان ذلك لوجوه الشبه الكبير الذي يجمعهما، مما جعله يستحضر صورة ملك الشعراء ويضعها إلى جانب صورة شاعر الفقهاء في إطار واحد.

Email