ذكريات أديب الفقهاء 2-2

كتب الشيخ علي الطنطاوي ما لم يكتب أحد في عصره مثله، بل لم يكن هناك من كتب أكثر منه، وأكاد أجزم أن أحداً من الكتاب والأدباء لم ينافسه في ذلك حاشا أمير البيان أرسلان، وجبار العقل الأستاذ العقاد.

والذي طُبع ونشر من نتاج الشيخ أكثر من أربعة عشر ألف صفحة، وما ضاع منه مثله أو يزيد عليه، غير أن كتابه «الذكريات» ظل حلماً جميلاً يداعب خياله صباحاً ومساء، وأملاً غضاً يراوده صيفاً وشتاء، ولقد عبر عن أمنياته تلك في مقدمة كتابه «تعريف عام بدين الإسلام» بقوله: إنه يرضى أن يتنازل عن كل ما كتبه، ويوفقه الله، إلى إكمال ذلك الكتاب «تعريف عام» و«كتاب الذكريات»، والحمد لله، تم له ما أراد!

وقد أراد لنا الشيخ منذ البداية أن نكون على ذكر من كتابه، نفرق بين الذكريات والمذكرات، فثمة فرق كبير بين المصطلحين، فالمذكرات تحتاج من كاتبها إلى استعداد معين، فأول ذلك أن تكون متسلسلة مرتبة، تمدها وثائق معدة أو أوراق مكتوبة، وذاكرة غضة قوية، ولكن أين هذا من الشيخ، أو أين الشيخ منه! فهو رجل قد أدركه الكِبَر، فكلت ذاكرته، وتسرب إلى مكامنها النسيان، ذاكرة كانت توصف قبل اليوم بأنها ذاكرة حديدية، أما اليوم فقد فقدت حدتها، وأبلت الأيام جدتها!

ويلاحظ من يقرأ الكتاب أن الشيخ بدأ الحلقات الأولى من هذه الذكريات بالحديث عن مدرسته، ثم عاد بعد خمس عشرة حلقة يتحدث عن جده، وأصل أسرته، وبعد عشرين حلقة عاد ليحدثنا عن أبيه، وفي أربع وأربعين حلقة يحدثنا عن أمه! والمنطق أن يبدأ المؤلف حديثه عن نفسه، والحديث عن منشأ أسرته، وعن أجداده وآبائه، والجواب هو أن حديثه هذا ليس هو الفصل الأول في الحكاية، ولا هو أولى حلقات الذكريات، بل هو الحلقة الثالثة، أما الحلقتان الأولى والثانية فقد قصهما شفاهة على الأستاذ الأيوبي، ظناً منه - الشيخ- أنه سيوالي قص ذكرياته عليه، فيقوم بطباعتها تباعاً.

 

الأكثر مشاركة