ذكريات أديب الفقهاء (1- 2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما إن أناخ القرن العشرون الميلادي بِكَلكَلِه، «{والكَلْكَلُ} والكَلْكال: الصَّدرُ من كلِّ شيءٍ»، وضرب بجرانه «(الجران) بَاطِن الْعُنُق من الْبَعِير وَغَيره»، حتى ظهرت في البلاد العربية بوادر يقظة أدبية، تربط ماضيها المجيد، بحاضرها التليد، قُدحت شرارتها من أرض الكنانة، لتنتشر في الشام والعراق وغيرها من البلدان.

أما روادها فكثر، ومشاربهم فَغَمْرُ، غير أنهم اتفقوا جميعاً على شيء واحد: «إن حاضراً بلا ماضٍ هو ذهولٌ وشرودٌ وفقدان ذاكرة، وتيه وضياع». أعلام ‌انكبّوا على تراث أمتهم، من لغة، وأدب، وفلسفة..

واشتغلوا به فصار لهم سجية، وأمسى لهم ملكة، وأصبحوا يُعرفون به، فازدهرت مكاتبهم، وفاضت بالعلوم والمعارف، وكان لها الأثر الأكبر في نشر المعرفة والثقافة في ربوع العالم العربي والإسلامي. وقد نبغ منهم أعلام ورواد، منهم من أعطي حقَّه، ومنهم من ظلمته الأقلام، وعقه الأيام، وأغفله الأعلام، كمثل الشيخ الأديب علي الطنطاوي –يرحمه الله!

غير أن الشيخ الطنطاوي كان يعرف قدر نفسه، خاطب الناس يوما بقوله: «إنهم يعلمون الناس أن في قميصي خطيباً ما يقوم له أحد في باب الارتجال والإثارة، وإيقاظ الهمم وصب الحمم، ولكن من الناس من يعق الحسد ألسنتهم عن شهادة الحق. أستغفر الله! فما أحب الفخر، ولكني اضطررت فقلت، وهل أسكت إذا سكت الناس عن بيان حقي!

وما قال الشيخ فيه كثير من الحق، فقد ترك لنا ثروة أدبية كبيرة، ثروة أشبه ما تكون بعروس حسناء تتشح بالحكمة، وتزدان بالفضيلة!

وَحْفٌ كأَنَّ النَّدَى، والشمسُ ‌ماتِعةٌ، … إِذا تَوقَّد فِي أَفْنانِهِ، التُّومُ

وألذها على قلبي، وأشهاها إلى نفسي، وأكثرها فائدة لعقلي كتابا «تعريف عام بدين الإسلام» و«ذكريات علي الطنطاوي»، فهما يجمعان بين الفائدة العلمية، والمتعة القلبية، والراحة النفسية. وقلما تجد ذلك في كتاب!! لذلك كان الشيخ علي من الأدباء المعدودين قديماً وحديثاً، الذي إذا قرأت لهم كتاباً سرعان ما يعجبك طعمه، ويشدك ذوقه، ويأخذك أسلوبه، فيسليك ويغريك بقراءة كتبه الأخرى، ويلهيك عن كتب غيره من الأدباء.

Email