ابن حزم وتقريبه حد المنطق..!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعددت مواهبُ الإمام ابن حزم العلمية، وتنوعت نتاجاته المعرفية؛ من فقه، وحديث، وأصول، ولغة، وأدب، ومقارنة أديان وغيرها..!

غير أن اهتمامه وكلفَه ظهر في علم المنطق، فلم يخل كتاب من كتبه، أو رسالة من رسائله، من نثار لبعض آرائه وفلسفته وحكمته، حتى إذا درس المنطق وامتلأ منه ومكث غير بَعِيدٍ، قال: أخرجت لكم كتاباً أعالج فيه علم المنطق من وجوهه وعلله المختلفة. قال الحميدي في «جذوة المقتبس» 309:... «التقريب لحد ‌المنطق».. سلك في بيانه.. وتكذيب الممخرقين به طريقة لم يسلكها أحد».

وصدق الحميدي، فقد طُبع الكتاب ووجدنا مصداق قوله فيه.. وقد اتفق لابن حزم في علم المنطق أستاذان جليلان سهلا له فهمه والتأليف فيه! كل ذلك جعل عنده مُكنة في التحقيق، وقدرة في الترجيح. وبعد أن اكتملت أهليته، واستتبت طريقته، وتملك أدواته العلمية والمعرفية، حَلَّق في سماء هذا الفن، وبلغ شأواً بعيداً، وصار أهلاً أن يعيد قراءة أرسطو، فيشرح مبهمه، ويفسر غامضه، ويقربه لطلاب العلم. وحامله على ذلك تقديره البالغ لأرسطو، الذي لم يقلد كل آرائه.

كما فعل الفارابي وابن سينا وابن رشد، فابن حزم أنِفَ أن يقلد من هو خير من أرسطو، وحرم ذلك على نفسه وغيره، فكيف يتأتى أن ينادي بشيء ويعمل ضده! وقد درس ابن حزم المنطق قبل العلوم الشرعية، ولا غرو في ذلك فالمنطق «المعيار على كل علم». الرسائل«4 /‏‏ 349» ويذكرنا هذا بالغزالي وكتبه:

«معيار العلم»، و«محك النظر»، وغيرها من كتب المنطق. وقد أُخذ على ابن حزم مخالفته أرسطو،«نفح الطيب» «2 /‏‏ 87» «فإنهم زعموا أنه خالف أرسطو». وقال أرسطو «‌اخْتلف ‌أفلاطون ‌وَالْحق وَكِلَاهُمَا إِلَيْنَا حبيب غير أَن الْحقَّ أحب إِلَيْنَا»، وقال ابن حزم «الفصل 5 /‏‏ 57» «وَإِذا جَازَ أَن يخْتَلف أفلاطون وَالْحق فَغير نَكِير وَلَا بديع أَن يخْتَلف أرسطوطاليس وَالْحق وَمَا عُصم إِنْسَانٌ من الْخَطَأ».

Email