اللغة العربية إلى أين؟ 32

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصطدم وأنا أحمل همّ اللغة العربية التي بدأت تعاني من ابتعاد أهلها عنها وغربتها الواضحة لدى الجيل الحاضر والجيل الصاعد، أصطدم بما يسمى قصيدة النثر أو الشعر الحديث، الذي لا يهتم بالوزن بل يقف محارباً كل من لم يزل ينظم الشعر الذي سمّوه بالتقليدي وقريباً سيسمونه الشعر البائد على وزن العرب البائدة.

ولم أشأ في الماضي أو حتى في الحاضر أن أهاجم أصحاب قصيدة النثر أو الشعر المنثور أو النثر المشعور، فأنا من أصحاب نظرية دع كل وردة تتفتح وأن البقاء للأصلح، هذه هي القاعدة لم تتغير على مر التاريخ الإنساني.

ولكن وأنا أدافع عن لغتي العربية وهي الهوية وهي تاريخي كإنسان، أجد أن أهم أركان هذه اللغة الهوية هو ركن الشعر، فالشعر حافظ على هذه اللغة وكان مرجعاً لقواعدها ولنحوها وصرفها كما كان القرآن حافظاً لها ومرجعاً لجذورها اللغوية.

وحينما نقوم بتدريس هذه اللغة للأجيال الجديدة فإننا نلجأ إلى الشعر ليس كتراث أصيل لكل من انتمى إلى العرب، بل كمقوّم لألسنة من يحفظ الشعر أو يطلع عليه.

وفي اللغة العربية هناك الشعر وهناك النثر، وأصحاب قصيدة النثر يريدوننا ألا نقول عن شعرهم إنه نثر، بل يريدون أن يغيروا قواعد وقوانين الشعر كلياً، فالشعر هو ما يكتبون، أما ما نظمه شعراؤنا المهمون، مثل المتنبي وأبو العلاء المعري وأبو تمام وجرير والأخطل وبشار بن برد وغيرهم، فهو شعر مضى وانقضى وتجاوزته قصيدة النثر وأصبح في نظرهم متخلفاً بعيداً عن الحضارة الحديثة وعن الأدب العالمي الجديد.

أمام هذا المفهوم الخطير تصبح اللغة العربية نفسها تراثاً من الماضي يجب القضاء عليه والكتابة بلغة جديدة.

أيها السادة شعراء قصيدة النثر، النثر الذي تكتبونه قد يكون رائعاً وجميلاً ولكنه نثر والنثر شكل من أشكال الأدب واللغة العربية تعترف به، فلماذا تريدون القضاء على شكل الشعر وقواعده وبحوره وهو فن أسهم عباقرة العرب في صياغته؟

المطلوب أن تتعايشوا مع التراث وبدلاً من التنكر له عودوا إليه واستفيدوا منه واعترفوا أن الموهوبين فقط هم الذين يستطيعون فهم بحوره وإيقاعاته وقوافيه.

وللحديث بقية.

 

Email