مطر العمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

هطل علينا المطر، نزلت علينا الرحمة، ابتهجنا، وانتعشنا، واخضرت قلوبنا، وتفتحت في نفوسنا أزهار الإبداع، وأورقت براعم الأمل، والعمل، مع بداية عام جديد تملؤه المتغيرات والتحديات، وأينعت ثمار الجد والجهد من أجل مواصلة البناء بإصرار وعزيمة في موطن اللامستحيل، حيث كل شيء ممكن، وحيث كل الأماني والأحلام تتحقق.

زخات المطر، صوت همساته الرتيبة على النافذة الزجاجية تبدو كموسيقى حالمة عذبة، ورائحته الندية التي طُبعت بصمتها في الذاكرة تجعل الفؤاد يضطرب ويعصف به الحنين، حنين لكل شيء، إلى نزق الطفولة ورعونة الشباب وسنوات العمر الضائعة، تسافر الروح بعيداً، تعيش حكاية عشق، المطر عندما يهطل يبث شوقه إلى الأرض، ليروي عطش السنين القاحلة.

فتنبت الرمال الجرداء حياة جديدة، وتنتشي فتصبح الدنيا حديقة ورد وأزهار، تبدأ حياة جديدة، محملة بكل الأشياء الجديدة، والصباحات النقية، يغسل المطر أحقاد الصدور وسواد القلوب، يغسل الهموم والأشجان فتطمئن النفس وتسكن ويشرق الوجه، ويسعد ويهدأ ذلك الضجيج الذي يضج في قلبك.

فتقف تحت المطر، تغتسل من كل الآثام والذنوب، ومن كل الهموم، تضحك، تعبر في رأسك صور براءة الطفولة واللعب تحت المطر، صوت أمك ينهرك، تضحك حتى تختلط دموعك مع قطرات المطر، ترقص تحت المطر غير عابئ بأي شيء.

لكن الزمن تغير كثيراً، كل شيء تغير، حتى أنت لم تعد كما كنت، أصبحت متجهماً على الدوام، شارد الذهن منكفئاً على نفسك، مكتئباً أحياناً، قلق مزمن يعتمل في نفسك، ربما عليك أن تبقى تحت المطر فترات أطول حتى تستعيد ذاتك الضائعة، ربما عليك مطاردة المطر أينما ذهب حتى تجد نفسك مرة أخرى، وقد تتساءل، ترى هل للمطر علاقة بالعمر، أم أن للعمر علاقة وطيدة أصلاً مع المطر؟

 

Email