مطاردة الأفكار

ت + ت - الحجم الطبيعي

وجدتني أطارد فكرة، أبحث عنها بين أكوام الأفكار التي تغزو رأسي، لكنها فكرة صغيرة، هربت واختبأت في مكان ما بين كل ما يعتمل في عقلي، فتحول البحث إلى لعبة الاختباء التي يمارسها الصغار، بل تحول إلى بحث عبثي، كالبحث عن إبرة في كومة قش كما يقال، قرأت قصة مرة، أن من يصمت يمكنه العثور على الإبرة في كومة القش، لكن كيف يمكن الوصول إلى تلك الدرجة من الصمت والسكون في وسط كل هذا الضجيج والزحام الذي يملأ رأسي المزدحم بالأفكار، والهواجس والمخاوف، المزدحم بأشياء كثيرة كراكيب، رفوف وصناديق فارغة، كم هائل من الصور والأفلام التي لم يعد لها حاجة، وأفكار ليس لها لزوم مجرد أفكار مهملة أو ملقاة على قارعة الطريق في رأسي.

يقال إن الإنسان مجرد فكرة، إن ذلك ليس دقيقاً، إنه مجرد مقولة فلسفية، الأفكار تولد في العقل، وكل فكرة صغيرة ربما يكون لها في ما مضى أوجاع عقلية، وتخرج الفكرة مجسدة عبر الكلمة، نصف أفكارنا بالكلمات، أو ربما نكتبها، عندما نكتب أفكارنا تتحول إلى منتج آخر، قد يجد من يستفيد منه.

نحن مخلوقات معقدة، سياسية واقتصادية وعلمية وفنية، ويولد الإنسان مرات عديدة، يولد من جديد كلما خاض تجربة عميقة، أو عند تحقيق حلم طالما راوده، نولد من جديد عندما نعانق الحياة بحب وبرغبة عارمة في الحياة بكل تفاصيلها بهمة عالية وبروح تتطلع إلى التغيير والإنجاز، أو عندما يتحرر من فكر ضيق، وما أشد حاجتنا للتحرر من الأفكار الضيقة.

كيف نتحرر من فكرة تسيطر علينا، كفكرة الفقد، أو الفقر، أو فكرة الخوف من المستقبل الغامض، إنها مجرد أفكار لا نعرفها فلماذا نخاف منها، لماذا نخاف من المجهول، يفترض بنا أن نخاف من الأشياء التي نوقن أنها تشكل خطراً، كالأسد أو الحية أو حتى العناكب السامة، اليوم لم تعد الأشياء الحسية وحدها تسيطر علينا، إنها الأفكار، إنها الخطر الداهم، المختبئ بين ثنايا كل شيء، وفي كل مكان، بل في جيوب ملابسنا التي نضع بها أجهزتنا الذكية.

وجدت بين الأشياء المهملة في رأسي مجموعة كتب ما زالت تتوهج قرأتها في فترات عمرية متفاوتة، أحب الكتب، الكتب تبقى طويلاً كما هي، وقد نستخدم المعارف والمعلومات التي نجدها عبر القراءة وقد نستعديها فقط عند الحاجة، أو قد لا نفعل فثمة كتب لا يبقى منها سوى الغلاف الذي تكون ألوانه براقة.

Email