الهروب من الأحلام

كان هناك طَرْق خفيف على أبواب ذهني تجاهلته طويلاً، لكنه ما لبث أن تحول إلى إزعاج متواصل، فقمت متثاقلاً متكاسلاً لفتح الباب، سألت من الطارق، ولم أجد جواباً، لكن الطرق استمر، ففتحت الباب، كان هناك حشد فاجأني، قلت، من أنتم وماذا تريدون، وكان الرد بصوت جماعي، نحن الأحلام المؤجلة، أو بالأحرى المهملة، ما زلنا ننتظر.

نظرت في الحشد، يا إلهي، كل هذه الحشود أحلامي المؤجلة، ما الذي دفعكم للخروج الآن، الوقت حتماً ليس مناسباً، بل إنه أسوأ ما يكون، صرخ أحدهم من الخلف قائلاً، لقد انتظرت طويلاً، وقال آخر، إنني أنتظر منذ الأزل.

لوهلة شعرت أن الأمر قد يتحول إلى عراك، وأعرف أن الكثرة تغلب الشجاعة، فتراجعت وأغلقت الباب بقوة، نظرت حولي فوجدتني في غرفة فندقية، وثمة أحد يتحدث في ذهني، تجاهلت الصوت، تذكرت أنني وصلت البارحة إلى العاصمة تونس، أعرف أن هناك أحلاماً كثيرة مؤجلة، لا يمكنني التوقف عن الحلم، ولكن ليست كل الأحلام قابلة للتحقيق، لذلك وضعتها برسم المؤجل وليس المُلغى.

خرجت من الفندق، سرت على امتداد الشارع، المدينة خاوية، كأنها مهجورة، ثمة سيارة شرطة متوقفة، وسيارة أجرة تسير وحيدة في الشارع، وثمة رائحة جميلة ندية تعبق الأجواء، وسرعان ما أدركت أنها ساعات الفجر الأولى والمدينة لا تزال نائمة.

تسكعت في الشوارع الخاوية حتى تهت في الشوارع الخلفية، ووجدتني على مدخل المنطقة القديمة، إنه الجزء العتيق من المدينة، بل هو قلب المدينة، حيث تأسست في عام 698 حول جامع الزيتونة، الذي يعد أقدم المعالم الدّينية بالعاصمة تونس، كتبت على جدار المدخل العبارة التعريفية التالية: «يوجد بالمدينة العتيقة أربعة وعشرون باباً تنقسم إلى نوعين، أبواب داخليّة، وأخرى خارجية، لم يتبقّ منها سوى خمسة أبواب، في حين لا تزال التسميات الأخرى تطلق على أماكن وجود الأبواب المضمحلة، وتقترن هذه التّسميّات عادة بالاتّجاهات التي تفتح عليها الأبواب»، شعرت بأن تلك رسالة من أحلامي المؤجلة كأنها تخبرني بأنها ستبقى تطاردني إلى أن أعمل على تحقيقها.

ابتعدت عن المدخل خشية أن تلتهمني الأحلام أو المدينة العتيقة، وعندما وصلت إلى الناصية، كانت أشعة الشمس تلوح في الأفق، وعبرت على مقهى منزو، وقد تهافت الناس عليه، فدخلته كوني أحد البسطاء الذين يمرون عليه، لتناول الإفطار قبل الانطلاق إلى أعمالهم ووظائفهم، جلست إلى طاولة وضعت في الخارج، احتسيت القهوة بينما كانت الشمس تتثاءب، وهي تخرج من بوابة المدينة العتيقة في طريقها إلى العمل.