أن أسامح.. هذا قراري

ت + ت - الحجم الطبيعي

"وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ, ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"

التسامح، من أعظم وأقوى القيم التي وصى بها ديننا الحنيف، وجميع العلوم والأديان الأخرى، لما للتسامح من الأثر على الشخص بحد ذاته وعلى المجتمع بأسره.

أجل قررت أن اختار، قررت أن أزيل هموماً كالجبال من فوق كتفي، وأبعد وسادة مهملات المشاعر البائسة برائحتها النتنة من تحت رأسي، وأغسل كل سواد ملأ قلبي، أجل اخترت أن أتنفس الراحة المطلقة، اخترت أن ارتوي من ينبوع الشباب الأبدي، قررت أن أشرق بابتسامة صادقة نابعة من أعماقي، قررت أن أتقبل عالمي وأراه بالطريقة التي أريد أن أراه بها مشرقا ملونا به الخير مهما زادت عتمته وشروره.

أجل لقد اخترت أن أعيش بطلة قصتي وأعيش تفاصيلها بالطريقة التي أريد أن أرويها، والآخرون لهم قصتهم ليس لي أن أرسم فيها إلا الحب والتسامح.

قررت أن حكمي ورأيي يخصني وحدي، فالصور نراها من منظورنا الخاص، فليس لي ولا للآخر إصدار أحكامه على ما يراه فقط او يسمعه، فدوما هناك قصة لا نعيشها وزاوية مخفية لا نراها. وفضلت أن اعتمد قاعدة المرآة الجانبية فالأجسام الظاهرة في المرآة تبدو أصغر وأبعد مما هي عليه في الواقع.

وصفوني بالجنون، بالحمق، بالسذاجة، كيف تسامحين وقد سحقت وسحقت مشاعرك مرات ومرات، كيف وقد اتهمت زورا، وظلموك مرارا وتكرارا، وآلموك وطعنوك، كيف وقد أكلت الحقوق ولم يكتفوا بل قطعوا الصلات والأرحام. خيانة تلو الأخرى وفقد تلو الآخر.

ليس ضروريا أن أبرر، يكفي أن أقول إن "اخترتني"، فأن تسامح لا يعني أن تعود كما كنت. أن تسامح لا يعني أن تحمل مشاعر الحب التامة للشخص أو الموقف نفسه، أن تسامح هو تتعلم متى وأين وكيف تضع الحدود اللبقة والصحيحة.

أن تسامح هو أن تختار بينك وبين عالم مليء بالتعب والألم وخسارة المشاعر والصحة. فهنا يأتي ذكاء العاطفة والعلاقات. وتتعلم أن البالون لا ينفخ أكثر من اللازم فأعطه على قدره وإلا انفجر في وجهك.

ودولتنا الحبيبة وقادتنا علموا جيدا أن التسامح صلاح الشعوب والمجتمعات، وها نحن نواكب مهرجان التسامح يجول أركان وزوايا البلاد، هي ليست شعارات بل قيم وأسس لتنشئ بها أجيالا تتعلم كيف تكسب بلا خسارة، وتنمو بلا فقد وتعطي بلا ألم.

Email