الدور المأمول من الجامعة

أثبتت التطورات السياسية في العالم العربي خلال عام مضى، أهمية الجامعة العربية كإطار إقليمي يمكن أن يشكل مرجعية سياسية وأمنية، تجنب الدول العربية مخاطر التدخلات الخارجية، التي خبرها أكثر من بلد عربي في السنوات السابقة، وكانت عواقبها وخيمة بكل المقاييس.

وما يجعل هذه الفكرة تلح في هذه الآونة، اعتراف العالم أجمع بأهمية التحرك الذي قامت به الجامعة حيال الوضع في سوريا، والذي غدا منطلقاً لأي موقف دولي أو إقليمي عند الحديث عن الملف السوري. ولكن ما ينقص «الجامعة» كثير، لأن وسائل عملها وآليات اتخاذ القرار فيها تنتمي إلى حقبة سابقة، لا ترتقي إلى التطورات التي حدثت في منطقتنا والعالم.

خلال العقود الماضية من تأسيس الجامعة العربية، كان العالم يعيش ثنائية قطبية، كانت تبطل أي دور إقليمي محتمل، لأن حدة الاستقطاب بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة، لم تكن تسمح لأي صوت خارج هاتين المنظومتين، على الرغم من محاولات تأسيس منظمة دول عدم الانحياز، التي لم تحقق في تاريخها أي إنجاز يذكر في وجه القوتين العظميين.

ولكن، ومع انهيار هذه القطبية، بدأت أهمية المنظومات الإقليمية تبرز في العقدين الأخيرين خصوصاً، مثل الاتحاد الأوربي، أو منظمة آسيان لدول شرقي آسيا، وأخيراً منطقة آسيا ـ المحيط الهادئ، والتي تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أيام قليلة عن أنها ستكون محور التوجه الأميركي خلال المرحلة المقبلة، أو كما قالت وزيرة خارجيته إن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن أميركا للمحيط الهادئ.

من الواضح أن المتغيرات العالمية رتبت أولويات جديدة في منطقتنا، وهذه الأولويات بحاجة إلى حاضنة إقليمية على قدر التحديات، خصوصاً وأن العالم بات مهيئاً لمثل هذا الدور، كما أثبتت الوقائع الأخيرة. ولذلك بات ضرورياً، بل وملحاً تطوير عمل الجامعة، وجعل قراراتها ملزمة باعتماد التجارب الأممية الناجحة على هذا الصعيد، مثل الاتحاد الأوروبي، وهذا لن يتم إلا باعتماد صيغ تمثيلية حقيقية تعبر عن الشعوب، وليس فقط عن الأنظمة.

الجامعة العربية أمام تحديات كبرى، ولعل المأمول منها أكبر بكثير من الإمكانية المتوافرة لها حالياً، ولكن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة.