موسكو لا تصدق الدموع

من الواضح أن العجز في القوة الأميركية يصرف فائض قوة روسية؛ ولكن ليس من الصحيح اعتبار أن التراجع الأميركي خسارة لحلفاء واشنطن، لأن القوى الصاعدة تميل إلى التفكير بعقلانية، وتدرك أن قوتها تصبح قابلة للصرف، فقط، إذا ما راعت مصالح الآخرين، وأثبتت أنها قادرة على ضمانها.

وعملياً، فإن ما يجري اليوم من تحول في موازين القوة، لا يلغي المصالح، ولكنه ينقل القدرة على ضمانها من مكان إلى مكان. ويمكن ملاحظة أن عجز واشنطن عن ضمان المصالح، تقابله روسيا بقدرة لافتة، رغم علاقاتها الإقليمية. ما يذكرنا أن بعض العلاقات العربية مع موسكو تجعل الكرملين مهتماً بقراءة العامل العربي أثناء بناء علاقاته في المنطقة.

ويمكن، كذلك، ملاحظة أن موسكو لم تجامل حلفاءها في موقفهم من «عاصفة الحزم»، وبقيت بعيدة عن الموقف الإيراني، تتحرك باستقلالية عنه، ولا تذهب إلى أكثر من تبني موقف يدعو إلى الحوار.

لذا، فإن التوافق مع أميركا حول الملف الإيراني، لا يقتضي بالضرورة الالتزام مع واشنطن في مواجهتها الروسية؛ بل أن استثماراً عربياً في علاقات مع موسكو يمكن أن يدعم التوازن مع الجارة المقلقة، ويضع حدوداً آمنة لاحتمالات الخروج عن النص في الاحتكاك الدائم، بفاعلية ليست اليوم في متناول واشنطن.

لهذا، من الصائب تماماً النظر إلى الأزمة السورية، ليس باعتبارها حدثاً محلياً، بل تحولاً تاريخياً لم يختره السوريون، ولم يخترعه الآخرون، ولكنه إحدى تصاريف التاريخ حينما يصرّ على الخروج من عنق الزجاجة، ليقلب الموازين. وبالنسبة للتاريخ نفسه، فالجميع سواسية: الموالون والمعارضون، والدولة وخصومها.

بهذا الوعي يقول سياسي عربي مخضرم: «سوريا ظُلمت»، ويمكننا أن نضيف أنها هي أيضاً ظلمت نفسها، لأنها وضعت مصيرها في «بوز» مدفع التاريخ الذي باغتنا جميعاً وباغتها بانطلاقته، رغم أنها كانت الأكثر تحسباً، وتحوطاً، وقدرة على الإمساك بالمعادلات وإدارتها.

واليوم، تقول دمشق كلاماً أكثر ليونة، وتنشغل موسكو بـ«دبلوماسية الهاتف»، ومن المهم استقبال ذلك على الوجه الصحيح، فالكرملين لم يكن ليتدخل عسكرياً، لو كان ينوي التنصل من دمشق. ولكن هناك وصفة ممكنة، ومتاحة لثمانية عشر شهراً مقبلة.

ويجدر تنبيه غلاة المعارضين أن «موسكو لا تصدق الدموع»!

الأكثر مشاركة