لحظة شجن

ت + ت - الحجم الطبيعي

كعادته في مثل هذا الوقت من كل عام، تفضل الصديق الأديب محمد المر بإرسال مجموعة نادرة من الصور لي، أبرزها صورة لتمثال المستعرب البريطاني الشهير إدوارد وليام لين.

توقفت طويلاً أمام هذه الصورة، وفي لحظة شجن حلقت بي على أجنحة الذكريات بعيداً إلى صور العمر، ووصلت بي إلى حواف الدموع، حيث تذكرت أستاذنا الجليل الدكاترة حامد عبدالله ربيع، عالم النظرية السياسية ودراسات الرأي العام الذي شرفت بالدراسة على يديه قرابة عقد من الزمان.

كنت في السابعة عشرة من العمر، عندما أعارني دكتور ربيع كتاب إدوارد وليام لين «صورة لعادات المصريين المحدثين وطبائعهم»، وأوصاني بتقديم ورقة دراسية عن الصفحات الأربعين في الكتاب، التي تحمل عنوان «الطابع القومي».

نعرف جميعاً أن لين مضى إلى مصر في عام 1825، حيث أتيح له أن يراها في منعطف بالغ الأهمية من تاريخها، واستهل كتابه الشهير في هذه الفترة، وعادل ليكمله في زيارته الثانية التي استمرت من عام 1833 إلى عام 1835، وتحول الكتاب إلى كلاسيكي فريد.

لفت نظري في الصفحات الأربعين من كتاب لين بصيرته النافذة وعمق رؤيته، فالخصائص التي أوردها كمعالم للطابع القومي المصري كانت تشكل بدقة ملامح الحياة المصرية في تلك الفترة.

ولكنني ما كان يمكن إلا أن أتوقف عند إشارة لين إلى أن المصريين يجمعون بين المرح والسخرية وحب النكتة من ناحية، والحزن الغامر من ناحية، ورحت أتساءل: كيف جميعاً؟

لا أظن أنني بحاجة إلى الإشارة إلى أن المصريين اليوم قد فقدوا جانباً كبيراً من مرحهم وولعهم بالنكتة، فليس في حياتهم عبر امتداد العقود الماضية ما يقترب من المرح بأي حال.

ولكن هذا الحزن الجارف الغامر لايزال يفرض نفسه، وكأنه قدر مقدر، فهل سيودعه المصريون في المستقبل القريب؟

لست أملك القدرة على التنبؤ، لكني أحسب أن مواجهة التحديات الكبرى، كما يفعل المصريون اليوم، كفيلة بنقل روحهم بعيداً عن الحزن وتجلياته إلى التفاؤل بمستقبل مشرق.

Email