أين المستقلون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع إطلالة ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو، يظل من حقنا جميعاً أن نعرف المزيد من الحقائق والأسرار والمعلومات المتعلقة بها، وأن نلم بما يقوله الباحثون عن مستقبل الجبهة التي وقفت وراء الثورة، ومثلت الملايين من أبناء مصر، الذين احتشدوا في الشوارع والميادين، في تظاهرة فريدة في تاريخ الإنسانية بكامله.

قد لا يعرف الكثيرون أنه منذ نصف قرن من الزمن شكلت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بالتعاون مع معهد البحوث والدراسات الاجتماعية في مصر، نواة من الباحثين اللامعين لدراسة ظاهرة العنف السياسي، في أعقاب هزيمة 1967، في ضوء معطيات نظرية العنف السياسي، التي كانت نظرية وليدة آنذاك، في ضوء توقع أن يشهد الشرق الأوسط تجليات ممتدة للعنف السياسي.

منذ تلك البداية المبكرة، كانت هناك ثلاثة تيارات من الباحثين في ظاهرة العنف السياسي. اشتمل التيار الأول على الباحثين المنتمين إلى المؤسسة العسكرية والمؤسسات ذات الصلة بها، وبصفة خاصة أجهزة المخابرات والشرطة.

التيار الثاني من الباحثين تمثل في الأكاديميين من أعضاء هيئات التدريس في الجامعات ومراكز الأبحاث والمجمعات الفكرية، الذين درسوا خارج مصر، وفق موافقات رسمية، وغالباً من خلال منح دراسية مقدمة من جامعات أجنبية بارزة، لعل أهمها جامعة ماكجيل في كندا.

التيار الثالث تألف، بالطبع، من الباحثين المستقلين الذين عملوا في إطار هذا التخصص انطلاقاً من مشاعرهم الوطنية، وفي ضوء انتماءات أيديولوجية محددة، وقد كانوا هم في المقام الأول الذين تعرضوا لضغوط هائلة نتيجة لاختيار هذا الفرع الدراسي المثير للجدل. من المدهش حقاً أن تيار المستقلين كان هو الأكثر عطاء في الدراسات المتعلقة بالعنف السياسي ومحاولة فهم أبعاده والتنبؤ بمساره، رغم تواضع إمكانياتهم وما صادفوه من ضغوط تصل إلى حد الحصار.

اليوم، في ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو، من واجبنا أن نحيي أبناء هذا التيار، وأن نعرب عن تقديرنا لتضحياتهم، وأن نطالبهم أيضاً بتقديم المزيد من الدراسات العلمية لهذه الثورة النبيلة، التي تساهم في صياغة مستقبل مصر من خلال عطائها الهائل.

Email