ثورات اقتصادية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أجزم أن جزءاً كبيراً من عوامل حركة ما يسمى بثورات الربيع العربي كان الجانب الاقتصادي بامتياز إن لم يكن كلها بسبب اوضاع اقتصادية مشوهة تركت المواطن العربي مطحوناً تحت طائلة الفساد والجوع، وهذا لا ينفي وجود الاستبداد السياسي وقمع الحريات ومصادرة حتى الأفكار هي الاخرى لعبت دوراً في تحريك اوضاع عربية كانت يوما ساكنة.

لكن المتتبع لخريطة دول ما كان يسمى بالربيع العربي يلمح مباشرة ان هذه الدول التي يشكل الشباب غالبية سكانها لا تجد فيها سوى عناوين الفقر والبطالة وطوابير الهجرة إلى اوروبا وغرق القوارب في المتوسط لعل وعسى ان تنجح محاولة للوصول إلى شواطئ الازدهار الأوروبي

. حتى في حالة دولة نفطية مثل ليبيا بعدد سكانها الذي لا يتعدى 5 ملايين شخص فقط كان غالبيتهم محرومين من الاستفادة من ثروات بلادهم التي كانت تذهب إلى العائلة الحاكمة قبل الثورة، وفيما عدا ذلك فإن السفارات الاوروبية كانت تشهد طوابير الشباب للفرار إلى القارة العجوز.

ربما لم تدرك كثير من الدول العربية ان الفقر وحيثما رحل رافقه الكفر، فما بالك بمنطقة سكانها اكثر من 350 مليون شخص غالبتيهم تحت سن الثلاثين والبطالة فيها من الاعلى في العالم حتى بين المتعلمين انفسهم الذين فضل الكثير منهم نار الغربة والهجرة على جنة الوطن.

العالم العربي وبعد سنوات من الثورات الاقتصادية بات اليوم بحاجة إلى ثورات اقتصادية مضادة تقوم بها الدولة نفسها ضد نفسها وانظمتها وقوانينها وتشريعاتها الاقتصادية، تماما كما حدث بعد الحرب الكونية الثانية في المانيا واليابان، وهما المثالان الانصع بياضا على دور الدولة في امتصاص حماس الشباب وتوجيهه نحو العمل، لأن الفراغ ليس مفسدة فقط بل هو الخراب بعينه.

الاقتصاد ثم الاقتصاد هو شعار يجب ان ترفعه جميع دول المنطقة وهو يأتي قبل الحرية، والصين مثال لذلك، ومع توظيف الشباب وتوجيه طاقاتهم للعمل لن يكون هناك مكان للتطرف ولا للأفكار المنحرفة، ومع امتلاك العالم العربي لهذا العدد الهائل من الشباب فإن تحويلهم إلى ثروات اقتصادية يصبح أمراً محموداً، والدول تنتصر بالشباب وهم عمادها الأول، وأي خلل فيه سترى الفتن تطل برؤوسها التي تحمل ما نراه اليوم في كثير من عالمنا العربي.

 

Email