ما هذا الربيع؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

العالم كلّه يقول إنه مهدّد بالإرهاب. صحيح، لكن «تهديد عن تهديد يفرق». في الأصل، حين يدفع شخص ما من أي عرق أو دين أو طائفة أو مكان، حياته ثمناً لشيء لا يعنيه من بعيد أو قريب، فهذا أمر جلل، وكأنما قُتل عشرة أو مئة أو الناس جميعاً. ليست الفكرة بالعدد ولا بالانتساب، بل بمبدأ الحق في الحياة الآمنة الكريمة والتي باتت مهدّدة ومنتهكة الكرامة، إن لم تكن من نظام مستبد فمن عصابات وقطّاع طرق مأجورين يتدثّرون بالدين لغايات لا علاقة لها بأي دين.

في أميركا وأوروبا تظهر بين الحين والآخر تحذيرات من مخاطر إرهابية. وإذا استثنيا أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإن التهديدات المقصودة لا تتجاوز دائرة مبنى هنا أو مؤسسة هناك. هكذا تهديد يمكن محاصرته وإنهاؤه أو تقليل خسائره إلى الحد الأدنى، ثم تعود المياه إلى مجاريها. وفي العادة يكون المنفّذ أو المنفّذون إما فعلوا ذلك تأثّراً بتحريض ما أو لارتباط بدائرة إرهابية محدودة المساحة.

المصيبة الكبرى هو ما يحدث في العالم العربي والإسلامي من طوفان إرهابي وقتل جماعي وتخريب شامل وتدمير لأسس الحياة والدول وكل شيء. الإرهاب في البلاد العربية والإسلامية ليس موضعياً أو لحظياً، بل وحش متنقّل ويضرب في كل زمان ومكان، ويحظى للأسف الشديد بزاد لا ينضب من أفراد يأتون بالجملة من شتى الدول، ومن مختلف الأعراق والمستويات الاقتصادية والاجتماعية.

من المؤكّد أن شعوبنا تستحق أوضاعاً أفضل، لكن إذا كان هذا الأفضل ممكناً.

فمهما اختلف التقييم والتشخيص بحثاً عن العلاج من جانب من تهمّه المعالجة، فثمّة ربط زمني وسببي وظيفي بين ما يجري من دمار شامل وبين ما يسمى «الربيع العربي»، إذا ظل أحد يعتقد بصحّة هذا المسمّى متعامياً عن شلالات الدماء وبراكين الخراب وزلازل الفتن. في البدايات كان معظم الناس مستبشرين خيراً بشيء يحمل اسم «الربيع»، لكن القطاف الدموي لم يبق من الاسم نصيباً أو رصيداً. وباستثناء المنتفعين والهاربين إلى الأمام، أصبحت القناعة الراسخة لدى الغالبية الساحقة من شعوبنا بأنه بئس الإصلاح الذي يتحقق بالتخريب، وبئست الحياة التي يصنعها الموت المتنقّل، وبئست «الديمقراطية» التي تحل بديلاً لأمن الناس وأمانهم، وبئست صناديق الانتخاب التي تتسابق معها التوابيت.

Email