ولنا في التاريخ عبرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما يجري في البلاد العربية يبعث على الغثيان، ومن غير المعروف متى نستعيد توازننا، ونقف على الأرض، ثم نخطو خطواتنا الأولى في مسيرة الألف ميل، التي قطعها الآخرون. من غير المعقول أن نعيش وسط هذا العالم ولا ننظر إليه، بل نكتفي بالنظر تحت أقدامنا، ولا نرى أبعد من أرنبة أنوفنا. العربي معروف بالغيرة، وهي شيمة تشمل الأرض والعرض والنجاح، لكن ما يجري يُخرجنا، كوننا عرباً، من أية منافسة مع العالم.

ما يجري أيضاً ينطوي على تجاهل تام لحقائق التاريخ وتجاربه الناجحة. التاريخ يقول إنه لم يكن للثورة الفيتنامية أن تنجح لو لم تنضم عشرات الأحزاب في جبهة واحدة، مثلما لم يكن لتلك الثورة أن تنجح من دون قيادة مؤتمنة وموثوقة هاجسها الوطن، وليس أية انتماءات فرعية وولاءات خارجية. ولم يكن لروسيا أن تصد الهجوم النازي عليها وعلى البشرية لو انشغل الروس بانتماءات جانبية.

في الصين مليار ونصف المليار إنسان حوّلوا بلدهم إلى إمبراطورية صناعية وثقافية هائلة النفوذ والتأثير، بحيث لم يبق بيت في العالم إلا وفيه شيء ما قادم من الصين. هل كان لهذا أن يتحقق لو انشغل الصينيون بأديانهم ومشاربهم العرقية والمناطقية؟ وفي الهند مئات القوميات والأديان والعديد من الطوائف والمذاهب الدينية التوحيدية، وغير التوحيدية، لكنها بوحدتها دخلت نادي الكبار، وحققت إنجازات علمية وعسكرية وحضارية مشهودة. لو انشغل الهنود بتنوعهم الديني والمناطقي لكنا لا نسمع عنها سوى أعداد القتلى والجرحى.

العرب أمة واحدة وتربط أغلبيتها ديانة واحدة، في حين أن أتباع الديانات والأعراق الأخرى تعتبر نفسها متسقة مع التاريخ العربي ولا تنفصل عنه مع الاحترام لخصوصيتها، وهي فعلاً كذلك. وفي تاريخنا أيضاً الكثير من العبر والدروس، حيث لا يمكن تصور أن تنتصر الجزائر على الاستعمار الفرنسي لو لم يكن الشعب الجزائري موحداً في المقاومة. الأمر ذاته ينطبق على كل البلاد العربية، التي عانت من الاستعمار.

آن الأوان لكي يقف السياسيون والنخب الثقافية المترهلة لنفض الغبار عن أدمغتها، وأن تعيد لشعوبنا فضيلة المواطنة، وصهر الانتماءات والولاءات في بوتقة الأمة الواحدة، وإلا فإن القادم لا يحمل لنا سوى الاندثار.

 

 

 

Email