الإرهاب اصطلاحاً وسياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكثير من المفردات السياسية يترسّخ مع الوقت ويصبح جزءاً من لغة الخطاب السياسي هنا وهناك، حتى لو كان في كثير من الأحيان على نقيض تام مع سياق مشابه في الماضي، أو كانت له دلالات مرفوضة وباتت مقبولة.

واضح أن المفاهيم تستمد قوّتها من قوة مستخدميها ومدى انتشار وسائل إعلامهم وقوّتها التقنية.

فقبل مائة عام، لم تكن كلمة إرهاب ذات دلالة سلبية، بل إن بعض الثورات في أوائل القرن الماضي كانت تعتمد هذه الكلمة كمهمّة نبيلة ومشروعة في مواجهة أعدائها في الداخل والخارج، كما جرى في الثورة البلشفية الروسية التي كانت قياداتها توزّع المجموعات القتالية وتعطيها مسمى «الإرهابية».

لكن في «عصر» إسرائيل، أصبحت كلمة إرهاب مصاغة في دوائرها وامتداداتها غرباً لتترسخّ الكلمة وتوضع في إطار السلبية المطلقة، أولاً باعتبارها تهمة لمن يمارسها، وثانياً باعتبار أنها «ماركة مسجّلة» باسم العرب والمسلمين.

حتى حين يحدث اعتداء ما في أميركا أو أوروبا، تتجه وسائل الإعلام الغربية فوراً للنبش في ملفات المهاجم، وما أن يظهر أنه من أصول عربية أو إسلامية، حتى تطل المعالجة المعمّمة برأسها وتظهر العناوين على شكل «إرهاب إسلامي» و«إرهاب عربي»، رغم وجود بعض الأصوات التي تضع الحدث في سياقه الفردي.

الآن لم يعد هناك مجال أو فسحة من نقاش حول الإرهاب اصطلاحياً، فهذه المسألة حسمتها السياسة وقاموس القوة، بمعنى أنه أصبح من نافل القول إن الإرهاب بمعناه الدارج والمنتشر، مذموم ومدان ويتطلّب المكافحة.

لكن في سياق هذه المواجهة، ينبغي على العرب عدم البقاء جلوساً في مقعد المتلقي، وعدم الاستسلام لمحاولات الغرب إبعاد رأس الإرهاب، وهي إسرائيل، عن دائرة الضوء. العرب ينبذون الإرهاب النابت بين ظهرانيهم ويقاومونه لأنهم أول ضحاياه، لكنّهم لا يجدون في الغرب آذاناً صاغية لكل كلام عن إرهاب إسرائيل المتمثّل في مبدأ الاحتلال واغتصاب الأرض وانتهاك المقدّسات وتهويدها، وفي تفاصيل كثيرة تبدأ بالاجتياحات والقصف العشوائي وارتكاب المجازر، ولا تنتهي بزج آلاف الفلسطينيين في السجون وإذاقتهم مرّ العذاب.

الخطاب السياسي والإعلامي العربي مطالب بأن يقول للعالم: حسناً نحن نتّفق معكم على إدانة الإرهاب ومكافحته، لكن دعونا نتفق على معناه ومعاييره، بعيداً عن الازدواجية القاتلة والمدمّرة التي تتبعونها، وليست إسرائيل سوى مثال.

Email