الإعلام في زمن العولمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان يمكن للتقدّم التقني الهائل في وسائل الإعلام أن ينقل المعرفة إلى مستوى قادر على تضييق المسافات بين البشر وتحويلهم إلى أسرة واحدة، وتحويل كوكب الأرض إلى شقّة سكنية متآلفة لا حواجز فيها بين الحضارات والثقافات والقيم الحضارية والأخلاقية.

فضلاً عن توظيف السلاسة في نقل المعلومة بكل أشكالها الخبرية والتقريرية، صورة وصوتاً، في خدمة الحقيقة الموضوعية بطبيعتها والرافضة للاحتكار والتحوير.

كل هذه الصورة الوردية باتت أشد افتراضية في ظل ما نشهده من ابتذال في امتلاك وسائل الإعلام وتوجيهها، وفي ظل عولمة كل شيء وخصخصة الفضاء وبيعه لمن يستطيع تأمين «الاشتراك المالي».

كان يمكن أيضاً أن يكون الإعلام الذي أصبح عابراً سريعاً للحدود وخارجاً من الغلاف الجوي للدول والأحزاب والأعراق والطوائف، أن يكون خيمة للإنسانية وغيمة تمطر رحمة على العالمين، وعواصف على الظالمين والمستعمرين وممتهني الحروب ومتسابقي التسلّح على حساب قوت الشعوب.

لكن، حتى في هذا الحقل تتباين المصائب وتجرّنا لاستخدام النسبية في النظر إليها، فاحتكار الفضاء وبيعه لم يعودا ذا شأن أمام ما نشهده من توظيف واستخدام له في صبّ الزيت على نيران الحروب والفتن القائمة، واختراعها إن لم تكن موجودة.

حين نشاهد ما وصل إليه الإعلام بمجمله، من حق الطامحين للحقيقة والموضوعة كموّن أساسي من مكونات الإنسانية، أن يحنوا إلى ذلك العصر الذي كانت فيه الكاميرا تجري على ساقين يلاحقان خطوط النيران المتقاطعة.

وكانت العدسة عيناً حيّة يربطها عصب مع القلب وهي ترصد طفلاً حوّله الجوع والعطش إلى هيكل عظمي في إفريقيا، أو انقلب كيانه الآدمي إلى كائن غير معروف الملامح بفعل فاعل في فيتنام أو هيروشيما أو دير ياسين أو بحر البقر.

الآن لا يستطيع المرء أن يسمع خبراً مرفقاً بعناصر تصديقه، ولا يستطيع أن يشاهد تقريراً مصوّراً من دون أن يفترض التلاعب والاقتطاع الانتقائي. ولا أمل في تغيّر هذا الواقع البائس لامبراطوريات الإعلام العظمى في العالم، طالما أن صاحب القرار السياسي والمالي هو صاحب القرار الإعلامي، وهو المالك لصنبور المعلومات.

وحين تكون وسائل الإعلام موزّعة على أطراف الصراع، فإنها تكون معبرة عنهم وتكتب الوقائع وفق توجّهاتهم. لذلك ينبغي النظر بجدية إلى المسؤولية التي تتحمّلها بعض وسائل الإعلام المحرّضة على التخريب وقتل الناس والحقيقة.

Email