الربيع الأحمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس ثمة مبالغة في القول إن الحياة قاطرة مراحل، ولا تستقيم من دون إجراء مراجعة دورية بعد كل مرحلة، ذلك أن الحياة عبارة عن عملية متناقضة، حتى في وجهها البيولوجي. ما من مرحلة تخلو من بناء وهدم، من ولادة خلايا وموت أخرى. لا بد من مراجعة تسلّط الضوء على الإيجابيات للبناء عليها، وتضع ليزر العلاج على خلايا السلبيات لتفتيتها.

إذا أسقطنا هذه العملية على الواقع العربي سنصل بالضرورة إلى نتائج مفيدة وحاسمة تنقذ ما يمكن إنقاذه من الواقع العربي المتردي، بل الكارثي. وتجنّبنا فلسفة الهروب للأمام التي يتبناها بعض مثقفينا. ولضمان نجاح هذه المراجعة، ينبغي أولاً الاعتراف بوجود المرض من أجل البحث عن العلاج.

الانتقال من التجريد إلى الواقع يعني بداهة أن نعترف بأن ما يسمى الربيع العربي فشل تماماً في المواءمة بين الاسم والواقع أولاً، كما أنه فشل في تحقيق الأهداف المعلنة ثانياً، بل إنه فوق ذلك أفضى إلى نتائج كارثية ثالثاً.

الربيع لا يكون ثورة إذا اصطبغ بلون الدم والتشرّد والاقتتال الداخلي بلا أفق، والثورة لا تنتج ربيعاً إذا افتقدت لشروطها التاريخية، وأهمها أن تكون وطنية المنشأ والميدان، وأن تكون لها قيادة وبرنامج بديل وعنوان، وأن تدرس موازين القوى وتشتق وسائل النضال ما فوق الثرثرة وتحت الانتحار.

لا تكون أية هبّة حتى لو كانت شعبية ثورة حين ترفع شعاراً وحيداً هو «إسقاط النظام»، ثم لا يفضي الإسقاط إلا لبديل وحيد هو الواقع المضاد للنظام، الفوضى. ليس هناك نموذج عربي واحد من بلدان ما يسمى «الربيع» يخالف هذا التشخيص، بما في ذلك العراق الذي مضت عشر سنوات على إسقاط نظامه، ولم ينشأ فيه كبديل سوى الفوضى والفتن والدم.

الربيع يعني الخضرة وتفتّح الأزهار، ونحن لم نر إلا ربيعاً أحمر طافحاً بالدم الغزير والخراب والتدمير في كل مكان ضربته عاصفة «التغيير». الربيع، من حيث ارتباطه بالبراعم والثمار، يعني الحياة ونحن لم نر سوى الموت الجماعي المتنقّل من دون توقّف. الربيع يعني طيوراً تبني أعشاشاً وترقد فيها لتفقس الزغاليل، ونحن لم نر سوى ملايين البشر تفر من أعشاشها لتحط في خيام اللجوء، فتفترش الأرض وتلتحف السماء.

 

Email