ليبيا والعزل السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الصعب على المرء أن يقدّر مدى الجدوى المتحقّقة من أي قرار أو خطوة يتم اتخاذها على الأرض الليبية المشبعة بالبؤس واليأس والتيئيس لدرجة التخمة. في الأعاصير الكبرى يكون فتح المظلّة مجرد نكتة درامية في مشهد ينطوي على الموت شبه المحتّم. أخشى أن أقول إنه في بلد مثل ليبيا يغدو كل قرار تتشابه نتائج القرارات الجانبية في حالتي الإيجاب والسلب. لكن لا يعني هذا قطع الطريق على المبادرات الإيجابية حتى لو كانت فردية، ذلك أن المشهدية المظلمة في ليبيا تمتلك حصّتها من قوانين التاريخ، ولا بد لقانون التراكم الكمي أن يفعل فعله وصولاً للتغيّر النوعي مهما كانت حبيبات المدى التراكمي صغيرة.

البرلمان الليبي قرّر أخيراً إلغاء قانون العزل السياسي الذي أقره «المؤتمر الوطني» عام 2013 ونص على حرمان شخصيات عملت في نظام العقيد الراحل معمر القذافي من تولي مناصب عامة في البلاد بعد أحداث 17 فبراير. المؤتمر الذي أقر القانون فعل ذلك في ذروة الاستغلال الانتهازي للوضع المضطرب بعد سقوط النظام مع انعدام البديل، تماماً كما في كل بلدان الجحيم المسمى ربيعاً على سبيل التضليل. تيار الإسلام السياسي فعل كل شيء لخدمة مشروعه الفئوي الدولي الخاص، مستغلاً جهوزيته لركوب صهوة متوقّعة من جانبه.

لم يعرف التاريخ عقلاً سياسياً يتعامل مع مرحلة جديدة باعتبارها معلّقة في الهواء؛ فالتاريخ نفسه عبارة عن قاطرات متّصلة من المراحل والولادات المتلاحقة، بحيث تولد كل مرحلة جديدة من رحم سابقتها، كما أن كل مرحلة جديدة تنتشل معها كل ما هو طبيعي وإيجابي في المرحلة السابقة. لذلك سخر جمال عبدالناصر من قرار منع بث أغاني أم كلثوم في الإذاعة بادعاء أن أم كلثوم تنتمي للعهد القديم، إذ طلب ناصر من صاحب القرار، ساخراً، أن يقود قوة لهدم الهرم باعتباره من «العهد القديم».

عندما أقر قانون العزل السياسي في ليبيا كان يعني بالنص والروح أن الشعب الليبي كله ممنوع من الوظيفة، إذ إن أربعين عاماً من حكم العقيد جعلت الشعب كله عهداً، بمن فيهم المنشقون الذين أصبحوا مسؤولين، وبالتالي فإن تطبيق القرار يتطلب استيراد طاقم من الخارج ليحكم ليبيا.

 

 

 

Email