«الأسرى».. جوهر قضية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالنسبة للفلسطينيين، يفتح كل عام جديد أبوابه على ما أغلق العام الذي سبق. يكفي أن نأخذ القضية الأشد أهمية، كوْنها تتعلّق بالإنسان قبل أي شيء، أعني قضية الأسرى. العام الماضي أغلقت أبواب سجون الاحتلال على 6500 أسير، منهم ثلاثون أسيراً قابعون خلف القضبان قبل توقيع اتفاق أوسلو في الثالث عشر من سبتمبر سنة 1993.

هذا يعني أن الاتفاق الذي حمل اسم «السلام» لم يغيّر شيئاً في الجوهر، طالما أنه لم يغلق ملف الاعتقال، وهذا الأخير لم تنتف الحاجة إليه – إسرائيلياً - لأن أسباب النضال – فلسطينياً - ما زالت قائمة، وفي المقدّمة منها وجود الاحتلال، ثم استمراره في التعبير عن نفسه من خلال الجرائم المتنوّعة، وبضمنها استمرار المداهمات والاعتقالات، والتنكيل في من يزج بهم في السجون، ناهيكم عن الأوجه الأخرى الأساسية المرتبطة بمشروع استيطاني استعماري عنصري.

على أن هذه قضية الأسرى تزداد تعقيداً منذ تركها بلا حل في نصوص الاتفاق وملحقاته والتوابع وروح العملية التفاوضية من أساسها، مع كل ما انطوى عليه انعدام مرجعيتها التي تجرّد الاحتلال من تفوقه في ميدان موازين القوى، ومع كل ما تشهده القضية الفلسطينية برمتها من انحياز دول عظمى ومؤثّرة لصالح «جَمَل إسرائيل بما حمل».

وبالعودة للمعطيات الإحصائية التي نوردها لضرورتها ودلالاتها، مع التذكير أن الأسرى الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، كما شهداء الحرية أينما كانوا، ليسوا أرقاماً وإحصائيات وجداول أو مواد مخبرية للأبحاث، بل إن كل واحد منهم يمثّل قصّة إنسان متعدّدة الفصول، كل فصل منها يروي حكاية شعب يتعذّب منذ أكثر من سبعة عقود.

وبهذا المعنى، يغدو وجود ستة آلاف وخمسمائة إنسان في السجن، بعد مرور اثنتين وعشرين سنة على توقيع «اتفاق سلام» والتمسّك بالتفاوض، مستمراً ومتقطّعاً، خلال هذه الفترة بلا جدوى، يعني أن ثمّة خللاً جوهرياً في العمليّة نفسها، وفي توقيتها وأدواتها والنهج المتّبع في إدارتها.

مهما يكن من أمر، وفيما يتعلّق بجوهر القضية الأم وصنّاع بقائها حيّة وحراس قلعتها، أعني بعد الشهداء، الأسرى الذين يسكنون مع الموت البطيء تحت سقف واحد، أو تحت سقوف سجون تعدّدت أسماؤها وبقيت وظيفتها واحدة، وهي تفريغ هؤلاء المناضلين ليس من محتواهم فحسب، بل من محتواهم الإنساني، أما نجاح الصهاينة من عدمه فهذه قضية يجيب عنها الواقع.

Email