حول ثقافة التسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المريح أن يسمع المرء كلاماً من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، عن ضرورة تجديد الخطاب الديني ونشر ثقافة التسامح والتصالح بين الناس، ذلك أن ما وصلت إليه الحالة، وبخاصة في منطقتنا العربية والإسلامية، تنذر بما هو أوخم وأخطر. لكن من المريح أكثر أن يتوسّع هذا النهج ليشمل أصحاب قرار سياسي وديني آخرين في المنطقة..

وصولاً إلى ما يشبه تظاهرة دائمة تؤدي لاهتزازات تجديدية حقيقية في البنيان الثقافي والتربوي والوجداني المؤسس للسلوك اليومي للأفراد وسط مجتمعات متنوّعة، بعضها ذو تكوين فسيفسائي شديد الحساسية، ويعاني من فئات تريد نسف ما بني في قرون بفتوى ملغومة أو مقطع فيديو مسمم أو خطاب ينضح عنصرية وكراهية.

ليس ما حصل في فرنسا سوى مثال صغير أمام ما يجري في العراق وسوريا ولبنان والصومال ومالي ونيجيريا وبورما ومناطق كثيرة غيرها، وقد يكون مثالاً صغيراً أمام ما قد يأتي في قادم السنوات ما لم تتدارك جهات معنيّة كثيرة هذا الخطر وتعيد للحس الإنساني اعتباره وسيادته في العلاقات بين الناس ثم بين الدول.

ومثلما لا يجوز تحويل الدين إلى مقصلة للمختلف معهم دينياً واجتهادياً، فإنه لا يجوز المس وإهانة الرموز الدينية ومقدّسات الآخرين تحت يافطة حرية التعبير، لأن من شأن هذا النهج أن يعزّز الكراهية ويشكّل دفيئة ملائمة لراكبي صهوة العنف والإقصاء.

إذا كان من بداية فعلية للوصول إلى وضع يتجدد فيه الخطاب الديني وتبدأ فيه ثقافة التسامح بشق طريقها إلى القلوب والعقول، فإن هذه البداية تتمثّل بالألسن والآذان، أي أن يصار، بموازاة المبادرات اليومية، إلى وضع أطر قانونية لما يقال في المنابر ووسائل الإعلام وما يجب أن يصل إلى آذان الناشئة وبعض المعانين من مشاكل اجتماعية واقتصادية ممن يجري استغلالهم على نحو مدمّر.

من المجدي والمفيد من أجل فرملة طوفان التطرّف والعنصرية، أن توضع قوانين، حيثما غابت، تجرّم الخطاب العنصري عرقياً وطائفياً ومذهبياً وقبلياً وجهوياً، وكل ما من شأنه أن يحوّل التحريض إلى فعل إجرامي، ويفجّر روح المواطنة ووحدة الإنسانية ومستقبل الأجيال. أي بمعنى، أننا بحاجة إلى حملة واسعة هدفها نزع الألغام والمتفجرات من العقول قبل الحقول.

Email