تونس وفرادة التجربة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تونس بدأت تعيش الأجواء الفعلية للسباق الرئاسي، مع بدء الحملة الانتخابية. مثقفون يبدون مخاوف من احتمال فوز باجي قايد السبسي، باعتبار أنه قادم من النظام السابق. لا نعرف إن كانوا يؤيدون هدم جامعات ومدارس ومؤسسات خيرية موجودة من العهد السابق، أو إن كانوا يطالبون بإنهاء خدمات جيش من المعلّمين والأطباء والمهندسين تعلّموا واشتغلوا في عهد النظام السابق. من يتحدثون بهذا الخطاب السياسي لم يسقطوا بالمظلات على الأرض التونسية بعد 2011، بل ولدوا ودرسوا وتخرجوا وكانوا جزءاً من المنظومة السابقة، وأصبحوا جزءاً من المنظومة اللاحقة.

من الجدير بالانتباه أن سياسة «الاجتثاث» جاءت مع الغزاة ولم تنبت في أرضنا، تماماً كشيطنة الجيوش «العسكر»، وشخصنة القضايا، و«بوشنة» الآراء بـ«من ليس معي فهو ضدي»، وشرعنة قوائم العار لكل متّهم يخدش «قداسة الثورة» برأي مختلف أو مخالف. وهذه كلّها وغيرها الكثير، تمثّل الوجه الآخر لسياسة الإقصاء والاستئثار وتنصيب الذات معياراً لكل شيء.

تونس نموذج جدير بالانتباه والتناول العلمي، وما يهم هنا هو المنهجية والآليات المعتمدة لبناء النظام السياسي، على أساس تداول السلطة عبر الانتخابات، والحفاظ على الدولة وضمان بقائها سقفاً يجري تحته نهر التغيير، في أجواء من الأمن والأمان والحريات المسؤولة غير المنفلتة وغير المستوردة. إذا حافظ الجميع على هذه المحددات، تبقى المعطيات الأخرى تفاصيل في مشهد أشمل. من يصعد اليوم لأن الشعب لا يعرفه جيداً، ستكشفه الممارسة والزمن، وسيلفظه الشعب حتى قبل انتهاء وقته، إذا أصبح حجر عثرة في مسار التغيير الثوري.

من يراقب المشهد التونسي من دون مواقف مسبقة وقوالب معيارية جاهزة، يدرك أنها فعلاً استثناء في ما يسمى «الربيع العربي». وهذه حالة لا علاقة لها بالجينات الوراثية ولون العيون، ولا بالخضرة والياسمين، بل بثراء التجربة التونسية، وعراقة منظمات مجتمعها المدني وأحزابها السياسية، والطبيعة غير العنفية لشعبها، وعدم ابتلائه بالفسيفساء الطائفية أو المذهبية التي شكلت بيئة حاضنة للفتن والميليشيات في بلدان أخرى.

تونس تتجه لتعزيز فرادة تجربتها السلمية في هذا الجو العربي المتقلّب على صفيح ملتهب، وهي ماضية إلى الأمام في مشوار الألف ميل، على قاعدة أن الحد الأدنى من النظام بديل للحد الأقصى من الفوضى.

أمجد عرار

Email