مدار

استسلام شجاع

ت + ت - الحجم الطبيعي

الزعماء الثلاثة المؤسسون للحركة المطالبة بالديمقراطية والإصلاح السياسي في هونغ كونغ، أعلنوا استسلامهم واستعدادهم لتسليم أنفسهم إلى الشرطة، ودعوا المتظاهرين في الشوارع إلى الانسحاب. هل هذا الموقف جُبن أم شجاعة؟ قد تختلف الإجابة باختلاف زاوية النظر، كأن يقال رداً على اتهام بالجبن، إن القادة الثلاثة للحراك لم يهربوا إلى الخارج ويتركوا أنصارهم فريسة لعنف الشرطة، وإن هؤلاء القادة اتخذوا المبادرة بعد مواجهات بين أنصارهم وعناصر الشرطة أسفرت عن سقوط عشرات الجرحى.

أحدهم قال وهو يحضّ الطلبة على الانسحاب من الشارع، إن قرار الانسحاب يحمل في وجهه الآخر إرساء جذور عميقة في المجتمع وتغيير الحراك، والتزاماً بدولة القانون، بعدما بدا لهم أن «الشرطة خارجة عن السيطرة»، وأن «الحكومة مجرّدة من العطف»، وأنهم شعروا بخطورة كبيرة قد تنتج عن تبلور تيار أشد تطرفاً يهدّد بإخراج الحراك عن مساره، وبالتالي حرف البوصلة بعيداً عن الهدف.

إذا نظرنا من هذه الزاوية لا يكون «الاستسلام» موقفاً جباناً، إنما هو شجاعة الوفاء بالوعد، وهو ليس فشلاً بالمعنى الأعمق للعلاقة بين الوسائل والأهداف، وبين النضج والقطاف. فالطلاب الثلاثة – القادة، أسسوا حركة «مركزية الاحتلال» مطلع 2013 للمطالبة بإصلاحات سياسية، ونظّموا قبل شهرين اعتصامات في الشوارع تحوّلت لسبب أو لآخر إلى مواجهات عنيفة وسقوط جرحى، وكان من شأن الاستمرار أن يفضي، بعد أن يتحوّل سقوط الجرحى لظاهرة عادية، إلى سقوط قتلى، الأمر الذي يدحرج كرة الثلج فينحرف المسار على نحو أشد عنفاً، ويتراجع بشكل متزايد دور القيادة العقلانية للحراك أمام منهجية أكثر تطرفاً ونزوعاً للمغامرة، وربما يركب الموجة قادة متربّصون يسعون لغايات أخرى غير وطنية، وأهداف خارج الحدود.

قرار قادة الحراك في هونغ كونغ، والأمر لا علاقة له هنا بهذا الموقف أو ذاك من أهدافهم، ينمّ ببساطة عن عدم سطوة منطق الهروب إلى الأمام الذي ظهر في تجارب عديدة، وعن فض ارتباط بموروثية كحرب أربعين سنة لأجل ناقة، وعقلية «أريد أبي كليباً حيّاً». هنا ينبغي إحلال العقل السياسي بدل النظرية البسوسية، وهذا العقل السياسي ينظر للصراع مراعياً موازين القوى والجدوى ومصالح أجيال، وبالتالي لا يتردّد في التوقّف والمراجعة لأساليب النضال، إذا أظهرت له التجربة أن الأمور تتّجه نحو «قطع الشجرة لأجل ثمرة».

 

 

 

Email