ما بعد الإرادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قلنا إن انعقاد إجماع الإرادة السياسية أمر حتمي، لكي تنطلق أي تجربة تحديث في أي مكان من العالم إلى الأفق المراد لها، لكننا يتعين علينا أن نبادر إلى القول إن هذا الانعقاد شرط ضروري للانطلاق، لكنه ليس كافياً وحده.

بهذا المعنى فإن انعقاد إجماع الإرادة السياسية لمجتمع ما، ليس عصا سحرية تحقق المعجزات وتزيل العقبات وحدها، وإنما هي البداية فقط، التي ينبغي أن يعقبها توفير العديد من العناصر الضرورية، التي تكفل نهوض الأمم من عثراتها، وانطلاقا لتحقيق تكامل تجربة التحديث المنشودة.

لقد أوضحت تجارب العديد من الأمم أن هناك مقومات عديدة لا بد من وجودها وتضافرها، لكي تبدأ مسيرة الشعوب في معراج التحديث.

ومن المؤكد أن أول هذه المقومات هو الأمن والاستقرار، فلا معنى للبناء والتنمية على أرضية قلقة يمكن أن تميد وتنقلب في أي لحظة، وقد رأينا أن السعي وراء تحقيق هذا العنصر بالغ الأهمية، وصل في حالة تجربة التحديث اليابانية الأولى إلى حد خوض غمار حرب أهلية دامية، وصولاً إلى الاستقرار والأمن في نهاية المطاف.

تبذل اليوم في مصر جهود مكثفة لتحقيق الأمن والاستقرار، وبصفة خاصة من خلال التصدي للعناصر الإرهابية والإجرامية، ومن المحقق أن هذه الجهود ينبغي أن تتصاعد إلى مستوى الآمال التي يعلقها المصريون عليها.

النظام الإداري الحديث والفعال والكفء، هو مقوم أساسي في أي تجربة للتحديث، وهو في مصر يكتسب أهمية كبيرة، لأن عقود التجريف والتخريب التي تعرضت لها، بلغ عمق الفساد فيها إلى الحد الذي حول الجهاز الإداري إلى عبء حقيقي على مصر، بدلاً من أن يكون أداة فاعلة للإنجاز، والأمر بلغ من التفاقم حدا قد لا يكون من المبالغة معه القول إن مصر بحاجة إلى ثورة إدارية بالمعنى الحقيقي، يعاد في إطارها بناء جهاز إداري كفيل بالتعامل مع طموحات مصر المستقبلية.

نظام التعليم الحديث والكفء هو مقوم آخر لا غنى عنه لأي تجربة تحديث، ومصر بحاجة إلى مثل هذا النظام اليوم وليس غداً، وهو نظام ينبغي أن يكون في خدمة دولاب الإنتاج والحياة الاقتصادية، قبل أي شيء آخر.

وتتعدد المقومات والعناصر المطلوبة، ولكن المهم أن ينطلق السباق مع الزمن، وصولاً إلى الطموحات التي تسعى مصر إلى تحقيقها، ويشاركها أشقاؤها العرب الحرص على أن تتكامل عناصرها.

 

Email