محاولة للفهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشكل مجموعة الأحداث والتطورات التي شملها ما عرف بالربيع العربي ظاهرة من أكثر ظواهر التاريخ العربي الحديث تعقيداً واستعصاء على محاولة التحليل العلمي الدقيق، إلى حد أن مجرد توصيفها تحول إلى جهد شائك ومعقد، فمن الباحثين من وصف هذه الظاهرة بالانطلاقة الثورية، ومنهم من دعاها بالمد الثوري، ومنهم من أكد أنها ثورة، على حين قال آخرون إنها أكثر من انتفاضة وأقل من ثورة.

بقدر ما أعلم، فإن من أكثر محاولات دراسة الربيع العربي تبكيراً ونضجاً مجموعة المقالات التي نشرتها مجلة «الطريق» البيروتية في صيف 2011، وأعادت إصدارها في طبعة ثانية.

وعلى امتداد السنوات الثلاث الماضية، أصدر إعلاميون وباحثون وسياسيون كتباً عديدة، هي أقرب إلى المواد الخام، التي سيعكف الباحثون في مرحلة لاحقة على غربلتها واستخلاص الوقائع منها.

لكننا نجد أنفسنا، في نهاية المطاف، إزاء ضباب ممتد، من الغموض والتضارب والتناقض، حيال ظاهرة الربيع العربي وأسبابها وتوقيتها وتطوراتها الراهنة والمستقبلية.

أياً كان الأمر، فإن مراكز الأبحاث العربية، على اختلاف توجهاتها ومنهاجها، لا بد من أن تبذل جهوداً أكثر دقة وأصالة مما قامت به حتى الآن، لكي تتيح لصانع القرار وللمواطن العربي فهماً أفضل لهذه الظاهرة المحيرة، وفي اعتقادي أن من أهم المصادر التي لا بد للباحثين العرب من الاستعانة بها، في محاولة رصد ظاهرة الربيع العربي، وانعطافاتها المستقبلية، كتابين محددين صدرا خلال الأيام القليلة الماضية.

الكتاب الأول أصدرته مطبعة جامعة كولومبيا في نيويورك، من إعداد الباحث الأميركي مارك لينش، بعنوان «تفسير الانتفاضات العربية: سياسة جديدة حافلة في الشرق الأوسط»، وهذا الكتاب يقدم محاولات من جانب باحثين دوليين بارزين لرصد أسباب الربيع العربي ودينامياته وتأثيراته في المجتمعات العربية.

الكتاب الثاني من تأليف جوان كول، المعروف بمدونته الشهيرة عن الشرق الأوسط، وقد أصدرته دار سيمون أند شوستر النيويوركية أخيراً بعنوان «العرب الجدد: كيف يغير جيل الألفية الجديدة الشرق الأوسط».

من يدري، قد نحقق قريباً فهماً أفضل لظاهرة تتحكم في المستقبل العربي إلى حد كبير.

Email