عام حاسم

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تنقضي الأيام القليلة المقبلة، سيكون عام حافل قد مر على ثورة الثلاثين من يونيو في مصر، وسيبادر الكثيرون إلى الاحتفال بالذكرى الأولى لهذا الحدث، الفريد من نوعه في تاريخ مصر الحديث. ومن حق المصريين أن يحتفلوا بذكرى هذه الثورة، فهم شعب لديه الكثير من الأحزان وألوان المعاناة، ومن ثم فإن أفراحهم القليلة تستحق عن جدارة الاحتفال بها.

لكن ثورة الثلاثين من يونيو تستحق عن جدارة أيضاً التوقف أمامها، وتأمل الدروس المستفادة منها، ودراسة المخاطر التي لا تزال تكتنف مكاسبها. دعنا نتذكر، بداية، الفارق الهائل بين أوضاع ما قبل هذه الثورة والأوضاع الراهنة في مصر اليوم، فقبل خروج ما يزيد على ثلاثين مليون مصري إلى الشوارع والميادين، في أكبر تجمع للبشر على مدار التاريخ الإنساني، كانت مصر تعاني من سلسلة من المحن، بدأت ولم يبد في الأفق آنذاك أنها ستنتهي، منذ نجاح جماعة الإخوان المسلمين في سرقة ثورة الخامس والعشرين من يناير من أيدي الشباب الذين قادوا مسيرتها، وبدت أرض الكنانة آنذاك مرشحة للمزيد من التمزق والكوارث والمآسي.

دعنا أيضاً نتذكر أنه منذ ثورة الثلاثين من يونيو قطع الشعب المصري شوطاً كبيراً في إنجاز مهام خارطة الطريق، فقد اعتمد دستوراً جديراً بالإشادة بالمعايير الدولية، واجتاز استحقاق انتخابات الرئاسة، كما ينتظر الآن البدء بإجراءات المرحلة الأخيرة من خارطة الطريق، وهي الانتخابات النيابية قبل 18 يوليو المقبل.

ونبادر إلى التوقف عند الحقيقة الأكثر وضوحاً، وهي أن مصر التي كانت تتعرض للمخاطر على كل حدودها في آن واحد، والتي تهددها خطر التقسيم والتشرذم والتمزق، قد تجاوزت هذا كله وعادت إلى ما كانت عليه طوال تاريخها، السبيكة المتماسكة التي تستعصي على التمزيق أو التحطيم.

هذا لا يعني بالضرورة أن مصر قد حققت ما يتطلع إليه أبناؤها، فالتحديات لا تزال كثيرة، والمطالب التي لا يزال يتعين إنجازها لا ينقصها التعدد، ولكن المهم أن مصر اليوم على مسار آخر. الحقيقة الواضحة للعيان أن أمن مصر لم تعد ترتمي عليه ظلال المخاطر، وأنها تشكل اليوم الاستثناء الأكثر بروزاً بين العديد من دول المنطقة التي تجتاحها رياح المخاطر. هكذا فإن الذكرى الأولى لثورة الثلاثين من يونيو تحمل معها جدارتها بالاحتفال، ولكنها تحمل معها أيضاً برنامج عمل ممتداً، لا بد له أن يشق طريقه إلى التنفيذ، مهما كانت التحديات والمصاعب.

Email