قراءة في مشهد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذين تابعوا، بحب وتعاطف، مشهد الاصطفاف الهائل لجموع الناخبين من الجاليات المصرية في مختلف أرجاء العالم، أمام سفارات بلادهم وقنصلياتها للإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة، لا بد أنهم قد وجدوا أن تعبير «الطوفان» الذي استخدمته «البيان» في اختزال هذا المشهد، هو في موضعه حقاً، حيث أدلى 288 ألف ناخب بأصواتهم لدى كتابة هذه السطور في 141 مقراً.

لكن ما الذي يعبر عنه هذا المشهد حقاً؟ ما هي الرسالة التي تصل إلينا من خلال هذا التحرك الاستثنائي من جانب شريحة من المجتمع المصري لم تعرف تقليدياً بتبنيها للحركة السياسية أداة للتعبير عن إرادتها؟ لا شك في أن الاقتراب من هذا المشهد كفيل بأن يطلعنا على حشد هائل من التفاصيل الإنسانية، التي تتكامل لتقدم لنا النسيج الكلي، الذي يفسر ظاهرة الاندفاع إلى المقار الانتخابية.

لكن الجوهر الحقيقي لهذه الظاهرة يبدو أكثر تعقيداً، وربما لم يوفق الكثير من المحللين السياسيين في رصده.

أعتقد أن الإجماع السياسي يشكل الصانع الكبير لهذه الظاهرة، حيث أدرك الكثير من الناخبين المصريين أن بلادهم تمر بمنعطف تاريخي بالغ الخطورة، يردد بلغة أخرى أصداء المشهد الذي تراءى تحت الأفق المصري في صدر القرن التاسع عشر، عندما كانت مصر تعاني من ويلات لا حصر لها.

والإجماع هنا ليس على مرشح بعينه، فهذه مسألة أخرى، وإنما يتجلى في الانطلاق إلى المشاركة باعتبارها واجباً وطنياً، واستحقاقاً ينبغي النهوض إلى مستوى ما يفرضه من تحديات.

والبعد الآخر، الذي لا شك في أنه كان له دوره في هذه الظاهرة التي رصدها العالم، يتعلق بالوعي الذي اتخذ هنا تجلياً سياسياً فريداً، وهذا الوعي لا يمكن إلا أن يلفت نظرنا، حيث نرى إدراكاً فطرياً فريداً لأهمية هذا الاستحقاق الانتخابي من جانب فئات عديدة، كان الاهتمام السياسي بالنسبة لها في وقت من الأوقات خارج فلك عالمها، خاصة في غمار مطاردتها للقمة العيش صعبة المنال.

ونتوقف طويلاً عند دور الشباب في تشكيل مشهد الاصطفاف هذا، فهذه المشاركة تبدو لنا طبيعية ومنطقية، لأن ما يصنع اليوم هو حياة هؤلاء الشباب ومستقبلهم، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يكونوا الفريق الأكثر حضوراً والأعظم تأثيراً.

 وتتعدد العناصر التي تكاملت لتصنيع هذا المشهد الفريد، وجميعها تؤكد لنا أن مصر الغد هي مصر النابعة من هذه الروح والمنطلقة بها ومن أجل تكريسها.

 

Email