القوافل الثقافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

القوافل الثقافية التي تجوب سائر الإمارات منذ سنوات تضرب عدة عصافير بحجر واحد، أهمها يتعلق بالهدف المعلن المنشود من ورائها والكامن في نشر شعاع الثقافة في ربوع البلاد والارتقاء بالوعي المجتمعي إلى مصاف الدول المتحضرة على طريق بناء أجيال قادرة على مد جسور التواصل بينها وبين فصول مرت من حضارة عربية جذورها ضاربة عميقا في التاريخ الإنساني وفي وجدان الناس.

وأخرى لاتزال تعيشها الأجيال بكل جوارحها في يومنا هذا من جهة وبين فصول حضارية ستعيشها أجيال المستقبل من جهة أخرى في مشهد عنوانه الاستمرارية والتواصل الحضاريين.

ذاك التواصل وتلك الاستمرارية لا يقتصران على الأجيال المتعاقبة فحسب، بل إن تأثيراتهما الحميدة تمتد لتشمل جوانب أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها من الأهداف المعلنة للحملة الثقافية الوطنية المتمثلة بتلك القوافل السيارة والتي تحيلنا إلى رحلات قدامى الرحالة طلبا لعلم أو للتتلمذ على يد عالم جليل في أي بقعة من العالم أو تلمساً لربح من وراء تجارة، تأثيرات مفرداتها الحوار وتعميق أواصر الترابط بين أبناء المجتمع الواحد ومد الجسور بين مختلف سكان مناطق الدولة.

لفت الأنظار إلى هذه المناطق بكل ما فيها من مكونات ثقافية وتراث وموروث شعبي وعادات وتقاليد يدخل بدوره في صلب أهداف هذه الحملة الثقافية التي يضاف إليها غايات أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها مثل تعريف سكان المناطق المختلفة بعضها بعضا إن لم يكن من خلال المشاركة المباشرة في الحملة فمن خلال وسائل الإعلام التي ترافق القافلة وتنشر فعالياتها على نطاق واسع.

لكن لا بد من التوقف عند الأسس التي تقوم القافلة الثقافية عليها ليس من ناحية ما توفره للناس من مواد معرفية وثقافية فحسب، بل يجب عدم إغفال الوجه الآخر من هذه الصورة البهيجة حيث تتيح أمام المؤسسة الثقافية فرصة كبرى للوصول إلى منابع مفردات تراثية لايزال الكثير منها في انتظار الاكتشاف والبحث والتمحيص.

والتدقيق على طريق إلحاقه بالمراجع والكتب التي تتناول تاريخ المنطقة بكل ما يزخر به من مكونات ثقافية وتراثية لا غنى عنها ساعة كتابة تاريخ المنطقة نفسه بما فيه من أنساب وأماكن وأسماء وحوادث يصعب الحصول على معلومات عنها بعيدا عن الرواة والإخباريين والشعراء ممن يعيشون في المناطق البعيدة، التي تستهدفها القوافل الثقافية.

تعميم المخزون التراثي الذي تكتنزه تلك المناطق،على سبيل المثال، يشكل أحد أعمدة هذه الظاهرة الثقافية، ولا ينتهي، طبعا، بحصر أسماء الرواة واكتشاف المزيد منهم وفرصة الوصول إلى المناطق التي تحط القافلة رحالها فيها واكتشاف شجرة جغرافيتها ومكوناتها السكانية، بل يصب في حالة التواصل الحضاري أيضا، حاله في ذلك حال الشعر الشعبي وما ينطوي عليه من زخم أدبي ومعرفي.

Email