العالم يتغير في أوكرانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تطورات الأحداث في الأزمة الأوكرانية تعطي مؤشرات واضحة على أن النظام العالمي يتغير بشكل واضح، بعد أكثر من عقدين طغى فيهما القطب الأوحد الأميركي على الساحة الدولية، وعربد ومارس كل أشكال البلطجة والفوضى ونشر الإرهاب والتطرف، وصنع جيوشاً من المرتزقة المأجورين ومن المتطرفين الإرهابيين، ليلعب بهم لعبته المدمرة تحت عنوان «الفوضى الخلاقة».

لقد كذب «الفتوة الأميركي» كثيراً حتى بات يصدق كذبه، وتصور أنه الأقوى والأقدر على فرض كلمته على العالم، فساقه غروره وعماه إلى مستنقع يصفه حتى محللون أميركيون كبار أمثال هنري كيسنغر، بأنه أسوأ من المستنقع الفيتنامي، حيث اتهم كيسنغر سياسة إدارة أوباما في أوكرانيا بأنها عشوائية وبلا هدف، وأنه يرتكب أخطاء كبيرة.

الإعلام الأميركي كله، بما فيه إعلام اليمين المحافظ المعادي لروسيا، يهاجم أوباما وإدارته على ما يفعله في أوكرانيا، وعلى عقوباته الساذجة التي وجهها لخمسة موظفين روس لا حول لهم ولا قوة، ولم يجرؤ على فعل أكثر من ذلك، فأصبحت أميركا العظمى محل سخرية من الجميع، وها هو بوتين يفعل ما يشاء ولا يعير أي اهتمام لواشنطن ولا لعواجيز أوروبا الذين لم يستطيعوا حتى إنقاذ أصغر دول أوروبا وأفقرها من الإفلاس، فذهبوا يلهثون وراء واشنطن في أوكرانيا الكبيرة المفلسة والمنهارة اقتصادياً منذ سنوات.

لقد اعتقدت واشنطن أنها يمكنها أن تفعل في أوكرانيا مثل ما فعلت في العراق وليبيا ومصر وسوريا، فأتت بمرتزقة غربيين وأعطتهم المال والسلاح ليقوموا بانقلاب ضد نظام حكم شرعي منتخب بإرادة شعبية، ولم تتوقع واشنطن ردود الفعل الروسية القوية والصادمة، فكانت الضربة الكبرى باسترداد روسيا لشبه جزيرة القرم، وهي الضربة التي أفقدت الفتوة الأميركي توازنه وعقله، حيث أمّنت روسيا مخارجها على البحار العالمية وللأبد، ولم تعد القرم قاعدة مستأجرة من أوكرانيا بل عادت للوطن الأم روسيا.

استرداد روسيا للقرم سيشكل تغييراً كبيراً في موازين القوى العالمية، وسيفتح الطريق للأساطيل الحربية الروسية للهيمنة على البحرين الأسود والمتوسط معاً، وهذا سر غضب واشنطن وعواجيز أوروبا من ضربة بوتين السريعة والقاضية في القرم.

وهذه بالنسبة لبوتين البداية وليست النهاية، وليس من المستبعد قريباً أن تعلن أقاليم أخرى في أوكرانيا استقلالها وانضمامها لروسيا، والانقلابيون في كييف، القادمون من الغرب البولندي «العميل للنازي سابقاً ولواشنطن حالياً»، يموتون رعباً وخوفاً من اقتحام جحافل المتظاهرين من الشعب الأوكراني الزاحفة نحوهم، وهم على يقين بأن الأوروبيين والأميركيين لن يستطيعوا إنقاذهم.

روسيا تدافع عن أرضها ومصالحها وأمنها، ولا تسعى للهيمنة وفرض النفوذ، وتريد فرض القانون الدولي والشرعية الدولية على الساحة العالمية، وأن تضع حداً لهيمنة القطب الأوحد الأميركي، وهي قادرة على ذلك، والأيام المقبلة ستثبت صدق ما نقول..

Email