أوكرانيا وتراجع هيبة أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصاعد تداعيات الانقلاب الذي دبرته واشنطن في أوكرانيا، يشير إلى اهتزاز واضح في صورة الولايات المتحدة عالميا، وتحاول الإدارة الأميركية إخفاء ذلك بتصريحات وتهديدات جوفاء، تعلم هي والآخرون أنها لا قيمة لها، ومنها فرض عقوبات على روسيا ومحاصرتها وطردها من مجموعة الثمانية الكبار، وغير ذلك من التصريحات التي لم تعرها موسكو أي اهتمام، لأنها تعلم أن واشنطن لا تستطيع أن تتحمل تبعات أي موقف من هذا القبيل تتخذه ضد روسيا، التي تملك من أوراق الضغط على واشنطن أكثر مما تملك واشنطن عليها.

وفكرة العقوبات على روسيا مرفوضة تماما، ليس فقط من الأوروبيين، بل حتى داخل الولايات المتحدة، ومرفوضة حتى من اليمين المحافظ الأميركي، الذي لا يخفي أركانه كراهيتهم وعداءهم لروسيا، وذلك يرجع للبيزنس الكبير لكبرى الشركات الأميركية التي يملكها أباطرة اليمين المحافظ في السوق الروسية، ومنهم عملاق صناعة الطيران "بوينغ" الذي يعتمد في تصنيع طائراته على مواد خام معينة لا يجدها سوى في روسيا

. ونذكر زيارة الرئيس بوتين للولايات المتحدة في يوليو عام 2007 بدعوة خاصة من عائلة الرئيس بوش الابن، رغم أن علاقات موسكو وواشنطن كانت آنذاك أسوأ منها الآن بكثير، وتبين بعد ذلك أن أباطرة صناعة الطائرات الأميركية وشركات صناعة الأقمار الصناعية التي تنطلق إلى الفضاء على صواريخ روسية، هم الذين نظموا هذه الزيارة من أجل ضمان مصالحهم في روسيا.

واشنطن لا تملك أية أوراق ضغط اقتصادية على روسيا الدولة، وليس لديها سوى حسابات وتعاملات مع أفراد وشركات روسية خاصة، ولن تضير روسيا أية عقوبات توقع على هؤلاء، بل سيدفعهم ذلك للعودة للسوق الروسية، مثلما حدث بعد أزمة البنوك في قبرص، والتي ضربت الروس الذين هربوا أموالهم من روسيا. واشنطن لا يحزنها الآن فشل ما خططت له في أوكرانيا، بقدر ما يحزنها ضياع هيبتها وتراجع مكانتها، وصعود هيبة ومكانة روسيا التي حققت ما أرادت في أوكرانيا في ساعات معدودة، بفرض سيطرتها الكاملة على شبه جزيرة القرم، وتركت أوكرانيا الفقيرة والمنهارة اقتصاديا تموج في صراعات واحتجاجات شعبية عارمة، جعلت الانقلابيين في كييف، والذين أتوا من غرب أوكرانيا، يصابون بالرعب والهلع ويخشون أن يفيقوا على جحافل المتظاهرين من الشعب الأوكراني الرافض لهم تقتحم عليهم غرف نومهم.

هناك شبه إجماع في الإعلام الأميركي على فشل إدارة أوباما في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، وهو ما وصفه هنري كيسنغر في مقاله في الواشنطن بوست الأسبوع الماضي، قائلا "سياسة إدارة أوباما في أوكرانيا بلا هدف". الكل يعلم أن واشنطن لن تجرؤ ولن تستطيع تنفيذ أي تهديد أو عقوبات على روسيا، وهذا يضيف للولايات المتحدة المزيد من اهتزاز صورتها وتراجع مكانتها على الساحة الدولية.

Email