في عهدة الرئيس

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ اللحظة التي أطلق فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس تصريحاته، التي عارض فيها بقوة أي ضربة عسكرية قد توجه للنظام السوري رداً على مجزرة الكيماوي التي ارتكبها في غوطتي دمشق الغربية والشرقية، وأصر على ربط هذا الموقف بمبادرة سياسية فلسطينية لحل "الأزمة" السورية.

قال إن أطراف الصراع السورية والعربية والإقليمية والدولية قد وافقت عليها كأساس للحوار، مسمياً عواصم بعينها مقررة في مصير هذا الصراع الدامي، سيطرت علامات الدهشة والاستغراب في الأوساط السياسية إزاء مظهر الزعيم الفلسطيني، الذي بدا جريئاً وواثقاً من نفسه ومما ذهب إليه، في ظل حقيقة ساطعة مفرداتها قرع طبول الحرب واتساع رقعة الخلاف وحتى النفور، بين أطراف هذا الصراع بجميع مستوياته.

وبما أن قامة شريان الدم السوري لا تسمح بمجادلة السيد الرئيس أو أي شخص آخر، حول الموقف الأخلاقي التلقائي والعفوي الذي يجب أن يلازم مجازر وحشية بهذا الحجم وبهذه الوحشية، بغض النظر عن هوية مرتكبيها وخارطة التحالفات التي تربط هذا الطرف أو ذاك بهم.

فإن الموضوع المطروح لا يتعدى حدود التفاصيل الثانوية المحيطة بالحدث الجلل وتداعياته، بحيث تفتح هذه التصريحات، التي أظهرت من أطلقها وكأنه قادم من كوكب آخر، الباب واسعاً على مروحة من الأسئلة والتساؤلات حول الخلفيات التي استندت إليها، والدوافع التي دفعت السيد الرئيس إلى الغوص في مغامرة بهذا الحجم، وصولاً إلى حالة الصمت التي لاذت بها مجموعة العواصم التي شملها التصريح واستند عليها.

الإجابات قد تأتي متنوعة وربما متناقضة أو حتى متوافقة في جانب منها، لكنها تبقى في نهاية المطاف قابعة في خلفية الصورة طالما أن تلك التصريحات على طولها والاستفاضة بها، لم تغر أحداً ولم يكلف أحد خاطره للتعقيب أو الرد أو حتى الثناء عليها، لا لشيء إلا لأنها عصية على أن تأخذ بداهة على محمل الجد في أي حال من الأحوال، لأن الصراع في سوريا مستفحل إلى درجة أن البعض يرتقي به إلى إمكانية أن يتحول إلى حرب عالمية ثالثة، بعد أن أعاد للحرب الباردة بين القوى الكبرى العالمية بريقها..

هذا إن كان لها من بريق غير بريق الدماء التي تجمدت في شرايين أطفال الغوطتين. وفي جانب آخر من هذا المشهد المأساوي، برزت جزئية أخرى على ارتباط وثيق بتلك التصريحات، تجلت في تباين الموقف الرسمي الفلسطيني من القضية السورية عينها، بتباين المكان والزمان.

وكذلك جمهور المستمعين.. ففي اجتماع الجامعة العربية الأخير في القاهرة، لم يسجل مندوب السلطة الفلسطينية أي اعتراض أو تحفظ على توجه الجامعة المستند إلى موقف 18 بلداً عربياً، نحو ضرورة معاقبة نظام الأسد على الجريمة ومطالبة البعض بإزالته من الوجود.

بينما لم يكن قد مضى سوى 24 ساعة أو أقل على إطلاق رئيس السلطة الفلسطينية موقفه المعارض لهذا التوجه. فهل أضحت مصائر الشعوب وتضحياتهم مجرد كلمات تطلق على عواهنها وفقاً للمقامات، على قاعدة المثل الشائع "لكل مقام مقال"؟!

Email