قصيدة في العتمة

علاقتي بالسينما تمتد إلى أكثر من أربعة عقود خلت، كنت وأترابي ننزل من القرية في اتجاه المدينة القريبة، نغتنم فرصة العيد والقروش القليلة لنشاهد فيلماً عربياً أو هندياً، ونلتهم الكعكة مع الزعتر والسمسم، وفي يدنا الأخرى قنينة الكولا تفادياً للغصة.

كانت متعة موسمية في العيدين الكبير والصغير. متعة لا يوازيها إلا أفلامنا التي كنا نفبركها في البراري، ونجسد شخصيات في فيلم شاهدناه. أو حين يزورنا من المدينة أحد أقربائنا الشغوف بأفلام الحركة والحروب والغزوات، ليحكي لنا آخر إنتاجات هوليوود عن هرقل وسوبرمان والرجل الوطواط "باتمان" ورعاة البقر في الغرب الأميركي.

من يومها حتى اللحظة، لا أستسيغ مشاهدة عرض سينمائي على الجهاز المنزلي، أفضل الجلوس في صالة معتمة، عيناي والشاشة فقط مضيئتان، بينما مخيلتي تغوص في مشاهد الشريط، حواراته، الألوان والإضاءة، حركات الأجساد والشفاه وقسمات الوجوه. وهي تفاصيل تلخص هذا العالم الساحر الذي يقدم لنا الحكاية كأنها حياة أخرى موازية.

تلك الصالة المعتمة، خبرتها في دور العرض، وأحسست بجمالياتها أكثر في تجارب نوادي السينما، التي كنت أتابع نشاطها أيام الجامعة والتجارب الشبابية وفي المراكز الثقافية المنتشرة قبل اغترابي، ثم شهدتها هنا في بلدي الثاني.

حيث تعزز حضور السينما في الثقافة المحلية، متابعة وإنتاجاً ورعاية واهتماماً، في تظاهرات كبرى متمثلة بمهرجاني دبي وأبوظبي، وعلى مستوى الفعاليات الفرعية للمؤسسات الثقافية، مثل نادي السينما في ندوة الثقافة والعلوم ونادي المشهد في دبي.

في قاعة نادي السينما، يتجلى البعد الثقافي، فنشعر بأجواء أليفة وسط مجموعة من الشغوفين بعوالم الفن السابع، يشاهدون العرض ثم يتحاورون في عناصر العرض حكاية وإخراجاً وتمثيلاً.

أما في الصالة، أنت أمام رواية مكثفة تتلقفها من دون عناء، بل قصيدة مرئية تنطبع على مرايا مخيلتك، وتقرأ سطورها الملوّنة والمعتمة بعين القلب.

الأكثر مشاركة