طقوس الطقس

في أوروبا، تجد الناس يبتدرون أحاديثهم اليومية بالطقس، يتعارفون به، والجميع يتقبلون بأريحية أي تعليق من نوع: الجو مشمس اليوم، أو مكفهر ينذر بالمطر، ثم بعد ذلك ينهمر سيل التواصل الإنساني.قيمة المطر عندهم ليست كقيمته عندنا، والعكس حيال الشمس، وكأنما شمسهم مطرنا، ومطرنا شمسهم أو كما قال شاعر:

والشمس لو وقفتْ في الفُلك دائمةً

لملّها الناس من عجمٍ ومن عربِ

والتبرُ كالترْب مُلقى في أماكِنِهِ

والعُودُ في أرضِه نوعٌ من الحطبِ

ولشدة ما يهيمن البلل والصقيع في أوروبا، فإنهم يتوقون إلى جفاف يمنحهم الحيوية بعد بيات مشاعر وركود أفراح، مقابل ما نضيق به نحن مستبشرين فقط بالسحاب والغيث طلباً للابتلال بعد طول يباس وظمأ.

ربما كنا لا نعرف قيمة الشمس، على حقيقتها، كما هم إزاء المطر الذي يثير عندهم بغيومه وزخاته المتصلة الاكتئاب النفسي وصعوبة الحركة. فالقيمة للعزيز في الحالين.

المطر بيننا عزيز، ومن هنا، فإن ثقافتنا ملأى بامتداح الغيوم وبشارات السقيا رديفة النماء والاخضرار، ومن منا لم يخرج يوماً ليشهد الغيوم في السماء وليلهو بالمطر يطارد حبات البرد ويدور حول نفسه وهو يغني ويضحك بهستيريا، كأنه يطوف في الخيال.

وفي الحقيقة، فإن حبنا للمطر والسحاب المثقل به، من قبيل حبنا للضيف قليل المكوث، فهو مثله يحمل لنا معاني الجدة وأخبار التغيير والبركة، والخير على قدوم الواردين.

وإن كان لنا أن نمنح المطر العزيز حقه من الاعتزاز، فإن علينا أن نراجع قاموس تعبيرنا، بما يتسق وإيجابية الغيم والمطر في بيئتنا، فلا يناسبنا القول مثلاً: الأجواء غائمة، بمعنى أنها معكرة ومظلمة، ولا الضبابية ينبغي أن تعني لنا الغموض السلبي، وإنما يهطل الغيم برداً وسلاماً على قرير عين جذلان.

الأكثر مشاركة