الآثار الهاربة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكلت أحداث الربيع العربي ربيعاً حقيقياً للصوص الآثار والمتاجرين فيها، ووصل الأمر إلى نهب مواقع أثرية بكاملها وتهريبها للخارج، ويكفي أن نتذكر في هذا الصدد سرقة آثار من المتحف المصري، الواقع على بعد أمتار من ميدان التحرير في القاهرة، فضلاً عن نهب كنوز متحف ملوي وتدمير ما تعذر نقله منها.

الدكتور محمد إبراهيم، وزير الآثار المصري، بادر خلال زيارته الرسمية الأخيرة للولايات المتحدة، باستكمال إجراءات استعادة ثماني قطع تمثل الحضارة المصرية القديمة، كانت قد ضبطت في وحدة جمارك نيويورك خلال محاولة تهريبها إلى الولايات المتحدة، كما عمل على التنسيق مع السلطات الأميركية لقطع الطريق على شلال الآثار المصرية المنهوبة، المتدفق إلى السوق الأميركية.

ومن المؤكد أن هذا جهد إيجابي جدير بالتقدير، ولكن الكثيرين يرون فيه اختلالاً حقيقياً للأولويات، فالمنطق الواضح والبسيط لا يقضي بأولوية التحرك في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وحدها فقط، وهي في مقدمة دول العالم من حيث استقطابها للآثار المنهوبة، وإنما الأولوية الحقيقية هي البدء من مصر وغيرها من الدول العربية، التي تتعرض لموجة نهب للآثار لم تعرف مثيلاً لها على امتداد تاريخها الحديث.

الأولوية حقاً هي للمزيد من تفعيل قانون حماية الآثار رقم 117 لعام 1983 وتعديلاته لسنة 2010.

الأولوية حقاً هي التصدي لحملات سرقة الآثار الهائلة، التي وصلت في ضخامتها إلى حد استخدام اللوادر وأجهزة الجيوستار، في اكتساح مواقع ومخازن بكاملها للآثار على امتداد مصر.

إن مطاردة الآثار الهاربة ليست ترفاً، ولا هي أولوية غير متقدمة، لأنها تتعلق بروح شعوبنا، وبالحرص على الحفاظ على تاريخها. ويكفي أن نتذكر التقديرات الأخيرة التي تشير إلى أن ثلث آثار مصر تعرضت بالفعل للنهب والسرقة والتبديد.. مصر ليست وحدها في التعرض لهذا الخطر، وإنما تشاركها فيه دول عربية عديدة، الأمر الذي يحتم التحرك اليوم وليس غداً.

Email