الردح الفضائي والتطاول الاجتماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرة هي "الشماعات" التي نتفنن في انتقائها لتعليق كل أخطائنا عليها .. فنحن شعوب المبررات وكان وأخواتها، الأكثر استهلاكاً بلا وعي أو إدراك لما تؤول إليه من نتائج نسقطها دائماً من حساباتنا، ونحن الشعوب الأكثر تقاعساً في مواجهة أسباب مشكلاتنا، لأننا مغرمون في اللهاث خلف الحلول لمصائبنا بعد فوات الأوان.

الأكثر إيلاماً في مجتمعاتنا، تلك الفئة التي أحالت كل نعمة إلى نقمة، والحديث عن أمثلة وممارسات بهذا الشأن لا ينتهي، فعندما يشعل عود ثقاب في يد طفل، حريقاً يأكل الأخضر واليابس، نلقي باللائمة على مخترع عود الثقاب ونتمنى أن نستبدله بآخر لا يشتعل في أيدي الصغار عند اللهو به !! كذلك المركبة التي تحولت من وسيلة نقل إلى أداة قتل على أيدي المتهورين في القيادة المستهترين بأرواح البشر.

الحال ومقاييسها واحدة في كل ما تطاله أيادينا، لكن تقنية العصر أكثرها خطورة، ولنا في الغزو الثقافي الفكري الأخلاقي عبر الفضاء المفتوح في ظل غياب الوالدين، خير دليل على ما آلت إليه أحوال بعض الشبان والشابات، المهووسين بخزعبلات الآخرين الذين يجتهدون في تصدير كل ما يفسد عقول أبنائنا ويدمر مجتمعاتنا.

وما نشاهده على بعض شاشات التلفزة العربية من إسفاف، يدمي القلوب ويندى له الجبين، فبرامج الردح الفضائي التي تسعى إليها فضائيات عدة، تنتشر كالنار في الهشيم، ومبررات تلك المهاترات جاهزة على "شماعة" حرية الرأي والتعبير !!

ولا تختلف حال مواقع التواصل الاجتماعي عن تلك الفضائيات، حيث تحولت إلى مواقع للتطاول الاجتماعي، فبعضهم يستعرض - بقلّة أدب - عضلاته في السياسة والفنون والتاريخ والجغرافيا وفتاوى الدين والطب والهندسة والزراعة والفضاء، وكلٌ يهرف بما لا يعرف .. والمصيبة الأعظم أولئك الذين يقعون في شراك عصابات النصب والاحتيال "نساء ورجالاً" وهم كثر، فماذا يبقى لنا إذا غابت العقول ؟!

اللهم احمنا من شرور أنفسنا.

Email