الراديو ومذاق الكستناء

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل الراديو في حياتنا العربية بكل سلاسة، وواكب هذا الجهاز، منذ انطلاقه في العشرينات من القرن الماضي ومطلع القرن الحادي والعشرين، كبرى الأحداث السياسية في العالم من ثورات وحروب وصراعات عبر القارات الخمس. وحسناً فعلت اليونسكو بتبني يوم الـ 13 من فبراير يوما عالمياً للإذاعة أو الراديو وهو يصادف ذكرى إطلاق إذاعة الأمم المتحدة عام 1946 وذلك خلال المؤتمر العام لليونسكو في دورته السادسة والثلاثين.

في العراق ارتبط الراديو بذكرى أليمة وهي تاريخ الانقلابات حيث إن الانقلابيين كانوا يستولون أولاً على الإذاعة عند الفجر لإنجاح انقلاباتهم التي كانوا يطلقون عليها جُزافاً الثورات، حتى كان حدوث أي خلل فني في الإذاعة يوحي لنا بارتياب وقوع انقلاب عسكري، وما يعنيه من حفلات إعدام كان مسرحاً للرعب. كل ذلك كان يركز في أذهاننا، نحن الصغار، فكرة الانقلاب والانقضاض والاستيلاء والموت.

وكان الضحية الأولى في كل انقلاب هي الإذاعة، الفتاة البريئة المغتصبة. لكن الصورة ليس كئيبة لهذا الحد، فالراديو هو أيضاً ما كان يبثه لنا من أغنيات فيروز التي اعتدنا على سماعها في الصباح، وبرامج ناعمة أخرى، تمنح حياتنا ألواناً مختلفة. فهذه الآلة العجيبة، وخاصة بعد ظهور الترانزستور، كان يطوف معنا في كل مكان، حتى في أسرتنا في وحشة الليل، والذي تحوّل إلى نافذتنا الوحيدة على العالم، وواقعنا بحلوه ومرّه. كان للإذاعة نكهة خاصة ومذاق الكستناء، ونحن ننظر إليه بشهية في الموقد، ونستمع إلى الأغنيات، والآن إلى ثورات الربيع العربي، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

Email