مترو دبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أخبرني الزميل علي حجيج، الذي يعثر على الروايات حتى لو كانت في مكتبات نائية، تفصله عنها الجبال والمحيطات والوديان، فهو يبحث عنها في كل مكان، بحيث لا تصدر رواية سواء في المغرب أو في القاهرة أو في موريتانيا، عن صدور رواية عن مترو دبي، وهو العارف بكل خبايا المترو. له قدرة فائقة في صيد هذه الروايات، وقراءتها، إذ يكفي أن يبعث برسالة إلكترونية إلى صديق لكي تكون بين يديه. فرحت بخبر صدور رواية "مترو دبي" لأسباب عديدة منها، أن ظهور أية رواية يؤكد الفكرة الغربية القائلة: إن الرواية تجسد زمن التحولات، ودبي تسجل هذا الزمن بجدارة عالية.

وأتذكر جيداً أن ظاعن شاهين، رئيس تحرير "البيان"، قال لي ذات مرة: لماذا لا تكتب رواية عن دبي؟ ثم أضاف: ربما تشق طريقها إلى السينما أو التلفزيون. كانت رؤيته النقدية ثاقبة، وتطمح إلى سبر المدينة عبر الأدب. ومن ثم توالت الروايات عن دبي: "بر دبي" لزياد عبد الله، و"ليلة واحدة في دبي" لهاني النقشبندي، ومترو دبي لمنير الحايك. ولكن الرواية ليست عملاً سردياً فقط، يتخذ من المدينة مجرد ديكورات بل هو لولب يتغلغل إلى أعماق حياتها وتفاصيلها. وعلى الروائي أن يحمل معوله ويبدأ بالحفر، ويقول للقراء: انتبهوا .. هناك حفريات عميقة!

وليس بالضرورة أن وجود المترو في هذا البلد أو ذاك يجعل منه بلد الحداثة، فالحداثة ليست في البنية التحتية في حد ذاتها، بل في العقول والأذهان التي تصنعها، وهذه هي دبي عقول تفكر وتنفذ وتصنع الحداثة. وقطار المترو يشبه جوف الحوت، نعثر فيه على كل شيء: أعشاب وأسماك وبقايا سفن وبواخر، ورائحة صيادين وغواصين، وغير ذلك. وهكذا هو المترو، ملتقى المصائر الإنسانية، وبؤرة تقاطع العوالم، ووجنة امتزاج عطور النساء، ومركز اختلاط الأجناس والأعراق.

في مترو دبي، تموج مئات الجنسيات، باحثة عن ذواتها، وقررت السير على جسر العبور إلى الضفة الأخرى رغم المخاطر. يمتزج في مترو دبي الخط الأحمر، والأخضر، والأزرق، والبنفسجي، أي لون سيولد من هذا الخليط؟ إنه لون الرواية، التي لا تنتهي ألوانها حتى لو مرت في أنفاق المترو.

Email