في موقف آخر، يتكرّر المشهد الأوروبي أو الغربي القائم على مبدأ العودة إلى الوراء، وهذه المرّة من وزيرة تعليم في إحدى الدول الاسكندنافية، بعد أن لاحظت إفراطاً في استخدام التكنولوجيا الرقمية حتى وصلت إلى الحضانة ورياض الأطفال، فهناك يعتقدون بأن الأفضل في ظل الثورة التي أحدثتها الأجهزة اللوحيّة والحواسيب النقالة أن يعتاد عليها الطالب منذ البداية، فهي بديلة للوسائل التي يعتبرونها بدائية، وقد حاربوها كثيراً في العقود الأخيرة، وأصبح التعليم والترفيه والثقافة والمهارات اليدويّة والسمعيّة مجتمعة في تلك الأجهزة، وأُلغيت «السبّورة» من قواميس التعليم، ومعها «الطبشور»، وقد اكتفوا بتطبيقات تجمع المدرّس والطالب خلف الشاشات، فلا هذا يكتب على ذلك اللوح الأسود، ولا الطالب يمسك بالقلم ويخطّ حروفه وكلماته في صفحات دفتره.

تلك المسؤولة منعت «الرقمنة» عن أطفال «التأسيس»، تريدهم أن يتعلّموا المهارات الأساسية، والتي تقول إنها ضعفت نتيجة الإفراط في استخدام تقنية هي أكبر من سن الأطفال حتى عمر 6 سنوات، وهذا سيكون قرارها للعام الدراسي القادم، ولا تستبعد أن ترفع هذه السن في المستقبل، فقد أصبح المطلوب أن تعود المدارس، وخاصة مدارس الحضانة والرياض إلى البيئة الطبيعية التي يفترض أن توفّرها وهي البيئة الهادئة، والقراءة من الكتاب المطبوع، والكتابة بالقلم على ورقة بيضاء، ففي هذه الأدوات يكون التكوين الفعلي لشخصية الطفل، والتفاعل بين الطفل والمدرّس.

نحن لسنا بعيدين عن كل ذلك، نتطوّر مع تطوّر الآخرين، ونتأثّر بأساليبهم، وفي أحيانٍ كثيرة نندفع خلفهم، ونتّبع خطواتهم، جيدة كانت أو سيئة، ونتجاهل النتائج، لا نقيّمها، ولا نحاول التخفيف من آثارها، وأقصد بكلمة «نحن» كل أهل الشرق، بيننا من اندفع بكامل قوته، وبيننا من لا يزال محافظاً على الوسائل التعليمية التي يسمّونها التقليدية ليحصّن أجياله القادمة، فالتقنيات في لحظة من اللحظات يخفيها «قرصان» يريد أن يتسلّى، فماذا سنجد؟

الإجابة صعبة وصادمة، ولكنها ضرورية، وقد نتحدّث عنها لاحقاً.