.. وانتهى المشهد الأول

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عرض متقن الإخراج، موزعة فيه الأدوار، جلس فلاديمير بوتين في مواجهة علنية مع أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي، وكان كل كبار روسيا هناك، مدنيون وعساكر، بينهم أسماء رنانة أدت ومازالت تؤدي مهامها طلباً لرضا الرئيس، والرئيس مثل قائد الأوركسترا يمنح كل واحد فرصة الحديث!

لا أعرف ماذا تسمى تلك الجلسة المنقولة على الهواء مباشرة ليراها العالم، ربما تكون أسلوباً جديداً في الديمقراطية الحديثة، ديمقراطية الشرق الذي يفصّل كل شيء على مقاسه، ويرفض أن يكون مقلداً للغرب بخيباته التي جعلت اليمين العنصري المتطرف يصعد سريعاً نحو القمة ويزداد شراسة، فهي ليست أكثر من ديمقراطية تقاسم السلطة بين حزبين يتبادلان الحكم، ويعرقلان بعضهما البعض، ولا يصوّتان من أجل مصلحة شعوبهم أبداً، بل يكون تصويتهم على قدر المصالح التي يمكن أن تتحقق لحزبهم، سواء كانوا نواباً أو لوردات أو أعضاء بمجلس الشيوخ.

وخرج بوتين بفكرة لا تخطر على بال المحللين والمنظّرين الذين اعتادوا على أن تناقش القرارات المصيرية في الغرف المغلقة المحاطة بالسرية التامة، وهناك يكون الحسم، وقضية أوكرانيا بلا شك هي على رأس القضايا المصيرية، وقراراتها قد تغيّر مسار العالم لسنوات قادمة، وبوتين يستمع إلى رأي قادة مجلس الأمن الروسي، ويقول لهم ليضيف «نكهة» روسية على عرضه الخاص «أنا لم أجلس معكم، ولم أسمع آراءكم بخصوص ما يحدث في أوكرانيا، فلا تترددوا، واطرحوا ما ترونه بحريّة تامة»!

واكتمل المشهد بحكايات مأساوية يتعرض لها سكّان منطقتي «لوغانسك» و«دونيتسك» المطالبتين بالاستقلال عن أوكرانيا، فقط لأنهم من أصول روسية، وحدث ما يشبه التصويت، فكل واحد مطالب بالموافقة أو الرفض لقرار تأييد روسيا لاستقلال تلك المنطقتين أو الجمهوريتين، حتى أخطأ أحدهم ووافق على ضمهما إلى روسيا الاتحادية، فتدخل الرئيس قائلاً: «نحن نبحث في تأييد الاستقلال وليس الضم اليوم»، وصحح المسؤول طرحه فوراً!

وانتهى العرض ليبدأ فصل جديد قلب كل التوقعات وأخذ الجميع إلى المجهول.

Email