سلبية تسر الخاطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

قلت لكم قبل فترة إن كورونا قلبت حياتنا رأساً على عقب، وستحول مع الأيام الكثير من العادات والمفاهيم إلى «خانة» الأمور المستغربة و«المنقودة»، فنحن، ومع الأيام البطيئة التي تمر علينا منذ سنة ونصف السنة استبدلنا ما تعلمناه في حياتنا إلى ما علمتنا إياه كورونا.

ما سمعناه من تعليمات وأوامر وقرارات في الإحاطات الإعلامية، والبيانات السابقة واللاحقة لها، والتي تتضمن «ما يجوز وما لا يجوز» و«ما نفعل وما لا تفعل»، جعلنا نحذر ونلتزم ونتحول إلى مراقبين لسلوكياتنا وسلوكيات غيرنا وكأننا مكلفون بالتطبيق الدقيق لتعليمات الاحتراز وتجنب الإصابة لمن حولنا ولأنفسنا، وتنازلنا طواعية، حتى ونحن خلف الأبواب الموصدة، عن أشياء كثيرة ما كنا نعتقد أننا يمكن أن نتجنبها أو نستغني عنها ولو إلى حين.

كل ذلك عايشناه ونحن بعيدون عن الفيروس وتداعياته.

صامدون، لثمانية عشر شهراً، ومتفاخرون بأننا نجحنا في الانتصار على كورونا، حتى ظهرت «دلتا» المتحورة، وتسربت نحونا دون سابق إنذار، أسقطت أحد العاملين معنا أولاً، وبعد ثلاثة أيام كان عدد المصابين قد تجاوز عشرة أشخاص، ومنذ اليوم الرابع للعيد أصبح خبرنا المميز إضافة إصابة جديدة، ولم نكمل اليوم السابع إلا وكنا قد بلغنا 16 مصاباً، ولم يسلم من تداعيات تلك المجنونة المسماة «دلتا» إلا بضعة أشخاص كنا بحاجة إليهم ليتولوا إدارة الأزمة المنزلية الكارثية، وتوزع الخوف على الأبناء والأحفاد، ومن ذهبوا إلى الحجر.

ومن أغلقت عليهم أبواب الغرف، ومن نسمع أصواتهم على الهواتف ولا نرى وجوههم وهم لا يبعدون عنا سوى أمتار قليلة، وفرق الفحص تزورنا كل يوم تقريباً، لأخذ المسحات أو لوضع ساعات المراقبة وإحصاء المخالطين، ومن بعدها ننتظر النتائج وندعو الله أن تأتينا البشارة من «تطبيق الحصن» بأن المصاب انتقل من الإيجابية إلى السلبية، وأن غير المصاب ما زال سلبياً، ولا أستطيع أن أصف لكم مدى الفرح عندما أقرأ أنني حصلت على هذه الميزة، السلبية، التي أحببناها بعد أن كنا نعتبرها سُبّة في حقنا، سابقاً، أي قبل كورونا.

Email