مؤشر «ترامب»

ت + ت - الحجم الطبيعي

المؤشر العاطفي تجاه رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب متذبذب، فخط سيره متعرج، نُحِسّ بأنه يضعنا وسط متاهة، ندخلها ولا نعرف كيف نخرج منها، في بعض الأحيان نحبه، ونراه رئيساً مختلفاً عن كل الرؤساء الذين عاصرناهم، خاصة عندما يقف مواقف شُجاعة وغير معتادة في مواجهة بعض القضايا التي تؤرقنا، فهو حازم، وغير متلاعب، ولا يمسك العصا من منتصفها، ولا يستخدم كثيراً الكلمات الدبلوماسية المطاطة، التي تحمل عدة تفسيرات، وإذا قال إنه سيفعل لا يتناسى قوله.

وفي أحيان أخرى، يتوقف مؤشرنا في النصف، يتوسط الإيجابية والسلبية، ولا ندري أي الاتجاهين نأخذ، هل نؤيده؟ لا نعرف؛ هل نخالفه الرأي؟ أيضاً لا نعرف، وحينها نجد أن مشاعرنا وعواطفنا وكل أحاسيسنا قد تجمدت، وكأننا لا نسمع نفس الشخص، وتسيطر علينا «صدمة»، لا نفيق منها إلا بعد فترة.

وفي موضوع واحد، وقضية واحدة، يميل المؤشر إلى الاتجاه المعاكس، فلا نتقبل ما يقول أو ما يفعل أو ما يقرر أو ما يسرب أو ما يخطط له، نتوقف مبهورين، فالمشاعر هنا لا تتبدل ولا تتغير، ولا تكتم ولا تختصر، وفوق ذلك كله، لا تقبل المساومة، فلا تكون هذه مقابل تلك، ولا يكون الموقف مقابل موقف آخر، هذا شيء ثابت، ولا يتزحزح قيد أنملة، ليس لأننا جيل تربى على الشعارات، كما يحلو للبعض أن يقول، وليس لأننا أبناء من حملوا الرايات، وليس لأننا نرتبط عاطفياً بأرض واسم تجاوزهما الواقع، بل لأن فلسطين بالنسبة لنا عقيدة لا تُنزع من نفوسنا.

لا نستطيع أن نفهم لماذا يندفع ترامب نحو فلسطين بهذه القسوة؟ ولماذا يضع اسمه في سجل من لا يُذكَرون بالخير عندما تُذكَر فلسطين؟ وقد كان بإمكانه أن يتركنا مع «بنيامين نتنياهو» كما كنا من قبل مع قادة العصابات، مثل «بيغن» و«شامير» وغيرهما، من الذين أخذوا ولم يعطوا في مسيرة سلام كاذبة، وقد كان بإمكانه أن يؤلف مسرحية جديدة، والذين شاركوا في المسرحيات السابقة سيشاركون فيها، ويشغلنا بها طوال سنوات رئاسته، و«نتنياهو» يبني المستوطنات في الأرض المسروقة من فلسطين، وبرعاية أميركية، ومساندة الفيتو في مجلس الأمن.

هذه مسألة ليست محل خلاف، لا عواطف ولا مشاعر ولا مواقف يمكن أن تكون متذبذبة أو متعرجة تجاه فلسطين، ولو كانت مشكلتها تحل ببضعة ملايين تمنع عن اللاجئين أو سكان القدس العربية، لفعلها الآخرون من الرؤساء الذين مروا على البيت الأبيض، وخلّصوا العالم من قضية القضايا، التي استمرت مئة عام وأكثر، وطالت توابعها كل الدول والمناطق، وستبقى حتى يحق الحق.

 

Email