البحث عن معنى «حشر» و«راكان» النادرين 2-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

من هذه الأسماء البدوية القديمة المشهورة عند الشيوخ ولكنها تقلُّ في غيرهم من العامة، اسمان يترددان في المجتمع الخليجي كثيراً وهما «حشر» و«راكان»، والأول أشهر من سُمّي به في العصور الأخيرة، الفارس الكريم الشيخ حشر بن مكتوم الأول حاكم دبي (1859-1886م)، رحمه الله، وهو اسمٌ يتوارث في عائلة آل مكتوم الكرام، والثاني يشار به دائماً إلى فارس قبيلة العجمان اليامية، ومن كبار شيوخها وشعرائها «راكان بن حثلين» الذي توفي (1895) تقريباً، رحمه الله.

وهذان الاسمان ليسا بمحدثين، بل لهما جذور تاريخية ومعانٍ اشتقاقية، ونريد أن نسلط الضوء عليهما لغةً وتاريخاً لتعمّ الفائدة وتتم، بعد حديثي عن أساليب انتقاء العرب لأسماء أبنائهم وبناتهم.

حَشْر

إذا ذُكر هذا الاسم تتبادر إلى الذهن مباشرةً عائلة آل مكتوم، العائلة العريقة الكريمة الحاكمة لإمارة دبي التي تنتمي إلى قبيلة آل بوفلاسة، إحدى فروع قبيلة بني ياس بن عامر المشهورة.

وهذا الاسم ليس حديثاً كما يظنّه بعضهم، بل هو من أسماء ما قبل البعثة النبوية، وقد وجدتُ في معجم أسماء صحابة رسول الله صحابيّين في سلسة آبائهما اسم «حَشْر»، وكلاهما عدناني، الأول: سالم بن حرملة بن زهير بن عبد الله بن «حَشْر» العدوي، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، وروى حديثاً واحداً، والثاني: عتّاب بن سليم بن قيس بن خالد بن مدلج أبي «الحَشْر» القرشي التيمي، أسلم يوم فتح مكة، وقُتل يوم اليمامة شهيداً.

قلتُ: وهذا يدلُّ على وجود هذا الاسم في القبائل العدنانية منذ القدم، ولا مانع أن يكون الاسم في غير العدنانيين، لأنّ الأسماء لا تشترى، ولكنّي لم أجد أحداً سمّي به من غيرهم مما وصل إلينا، والله أعلم.

ومن العجيب أنّ هذا الاسم مشهور أيضاً في عائلة «الحثلين» العجْمية، من مثل الشيخ «حشر» بن فالح بن حثلين، ابن عم «راكان» بن حثلين وأخيه لأمه، وقد رثاه بقصيدةٍ، منها:

يا «حَشْر» من عقبك يفكّ الطلابه

لا جت من عِيٍّ طروقه مخلاه

هذا وكنت أظنُّ أنّ اسم «حشر» تحريفٌ لاسم الرسول صلى الله عليه وسلم «الحاشر»، ولكنّ كما ذكرت لكم أنّ العرب يتأثرون بانفعالاتهم، ويطلبون الأسماء الشديدة لأبنائهم، لتكون قويةً ولها هيبتها عند أعدائهم وخصومهم، ولهذا أقول إنّ اسم «حشر» مأخوذ إمّا من قولهم: سِنانٌ «حَشْرٌ» أي دقيق، يقال: حشْرته حشراً، أو من «الحَشْر» بمعنى الجمع، كأنهم يتفاءلون لابنهم بأنه سيجمع الناس حوله ويكون زعيماً، أو يمكن أن يكون بمعنى الهلاك أي يهلك أعداءه، ومنه تفسير بعضهم لقوله تعالى: «وإذا الوحوش حشرت».

واسم «حَشْر» عزيزٌ علينا، لأنه يحمل اسم الشيخ «حَشْر» بن مكتوم، ابن مؤسس إمارة دبي، وجدُّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وفيه قيل من شجاعته وشهامته وكرمه وحكمته:

لو يستوي امية حَشْر

شروى حَشْر ما يستوي

راكان

لم أجد هذا الاسم في المراجع القديمة، اللهم إلا عند ابن خلدون في تاريخه، فقد ذكر قائداً يُدعى علي بن «راكان»، وهو من قبيلة عجيسة البرنسية من البربر، وكان ذلك في أحداث سنة 455 هجرية تقريباً.

ولا أعلم هل هذا الاسم تصحيف من ناسخ الكتاب، أم هو من أسماء البربر حقاً، ثم انتقل إلى قبيلة الهلاليين الذين نقلوها إلى المشرق بعد ذلك.

 وإنّي أرجّح أنّ اسم «راكان» هو تثنية لـ«الرّاك» في العامية، وهو تحريف لشجر الأراك الذي تستخدم جذوره وأغصانه للسواك، وقد ذكرتُ لكم أنّ العرب تسمي أبناءها بأسماء الشجر، وكذلك شاع فيهم وزن فَعْلان من مثل حمدان وخلفان، وليس لاسم «راكان» أي علاقة باللغة التركية، وبعض الأعجميين ينطقونه هكذا «ريكان».

Email