الفيلسوف الألماني"نيتشه": المرأة فخٌّ نصبته الطبيعة (2-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يدخل عالم الفلاسفة العجيب يجد بين أقوالهم كثيراً من الاتفاق على الأمور العامة مثل أحوال المجتمع وطُرُق تقدّمه والمحافظة عليه، وكذلك تراهم شبه مجمعين على أمور الحُكْم وكيف يمكن الوصول إلى كماله وعظمته، وقد تتعدد أشكال الوسائل ومنتهى الغايات عند كلّ مدرسة فلسفية منها ولكنّها تتفق على الأساسيات المراد تحقيقها، ولكنّك إذا نظرت إلى ما سطّروه من أبحاثٍ وأقوالٍ أو نقله عنهم تلامذتهم عن العائلة والمرأة والأشياء التي تلامس مشاعرهم، فسوف تجد بينهم اختلافاً كبيراً - خاصة من غير المسلمين- حيث يقوم مجتمعهم الصغير بإجبارهم بالقوّة إلى إخراج ما سعدوا به أو ما عانوا منه نفسياً من عائلاتهم وجيرانهم أو أماكن أعمالهم، فهي خلاصة تجاربهم العاطفية.

وهم في هذا سواء والشعراء، وموضوع المرأة لديهم له خاصٌّ جداً لا يمكن فهمه إلا بقراءة سيرهم التاريخية ومن ثَمّ يمكننا أن نعرف حقيقة هذه الأقوال، وقد جرّبت ذلك مرّات فوجدته صحيحاً، لأن كل فيلسوف منهم له حال خاصة في الحبِّ قد تتكرر مع غيره، وقد لا تتكرر كما في حالة الفيلسوف الألماني الكبير"نيتشه"، فقد تعرض إلى مأساة في صغره ثمّ في وقت شبابه ثمّ بعد ذلك حتى وفاته، رسمت كلها ملامح فكره التشاؤمي مع قوة عبقريته وتفرده في علمه كما سنرى.

نشأ "نيتشه" متمرداً على الكنيسة، وأظنّ أن نشأته في عائلة متدينة - ولا أستبعد أن تكون متشددة - جعلت منه إنساناً يكره الكنيسة بل أفكاره هذه أصبحت من أهم أسباب نشأة بعض التيارات المناهضة للمجتمع الكنسي فيما بعد، وقد مرض "نيتشه" مرضاً خطيراً وأشرف على الهلاك منه، فقال لأخته وهو يشعر بقرب الموت: "إذا متُّ فلا تجعلي أحد القساوسة يتلو عليَّ بعض الترّهات، في لحظةٍ لا أستطيع فيها الدفاع عن نفسي".

 قلتُ: في هذه المقولة الشديدة دليل على مدى كراهيته للقساوسة الذي كان والده منهم!.

بعد أن عُوفي "نيتشه" ذهب إلى جبال الألب ليمصح الباقي من مرضه، فقام بتأليف كتابه الغريب والأشهر بين مؤلفاته "هكذا تكلّم زرادشت" وقد كتبه بلغة شعرية وأدبية عالية ضمّنه خلاصة تجاربه في الحياة والفن والمرأة والدين والأخلاق وأصدره على شكل سلسلة منذ 1883 حتى سنة 1885م وقد حوى هذا الكتاب كثيرا من آراء أستاذه الروحي الفيلسوف الألماني "شوبنهاور"، وركز في هذا الكتاب أيضا على فكرة التطوّر أو ما سمّاه "الإنسان المتفوّق" الذي يُعرف اليوم بـ "سوبرمان" وبهذه الشخصية يريد نسف المسيحية من أصلها، وهو أيضا يؤمن بأنّ العدل مطلوب ولكن يبقى الحكم للأقوى، وليس هناك شعب أفضل من شعب ولهذا هو ضد السامية والتمييز العرقي.

أما عن الأخلاق فقد حثّ على الفضائل ولكن ليس لثواب الفضيلة ولكن للفضــيلة نفسها وبها يلغي مبدأ الثواب والعقاب في معتقداته.

رغم أنّ "نيتشه" نشأ بين أمّه وأخته اللتين بقيتا معه طوال حياته حتى يوم وفاته وقامتا بمساعدته في أتعس أيامه، ولكنّه أظهر عداوة شرسة للمرأة بل جعلها مكاناً للشهوة فقط وضماناً لاستمرار "الإنسان المتفوّق" ليس إلا، ومن هنا تأتي مقولاته الشهيرة عنها : "المرأة فخٌّ نصبته الطبيعة"، وغيرها من الأقوال يفسر حقيقة أمر "نيتشه" ولماذا كل هذا العداء للمرأة؟ وهي مصدر بقائه من خلاله حنان أمه وعطف أخته عليه، إنه أيها الأعزاء ما يسمى بـ"الحبّ المدمّر الفاشل" هذا التفسير الذي وجدته مناسبا لحال "نيتشه" الغريبة!.

لقد أحبّ "نيتشه" من كل جوارحه فتاةً جميلةً من أرضه "بروسيا" بعد مروره بتجارب أخرى عابرة وفاشلة، ولكنّ حبه هذه المرّة كان صادقا جداً فقد كانت تلميذةً له يعدها مصــدر سعادته ومركز مشاعره، لكنّها تركته لتتزوج من شابٍّ آخر يدعى "تشارلز أندرياس" وقبل وداعها الأخير قبّل قدميها لكي لا تتركه وتقبل به ولكنها فـــارقته غير مــبالية به وهو الشاعر العبقري فسبّبت له آلاماً لم يستطع إخفاءها في كتبه وأقواله وأفعاله حتى بلغت به حدود الجنون ولازمه طيفها حتى يوم وفاته من عام 1900م، فلا لوم إذن على "نيتشه" فيما قال لأنه صار مجنون المرأة "لوسالوميه".

Email