لن نسترضي الدوحة

رئيس التحرير المسؤول

لن نسترضي الدوحة

التاريخ:
ت + ت - الحجم الطبيعي

تندفع قطر بشكل واضح باتجاه الحضن الإيراني، وبدلاً من سعيها إلى التفاهم مع دول الخليج العربي، وعواصم العالم الكبرى التي أبرقت برسائل حادة إلى الدوحة، لا تجد قطر إلا طهران «ملاذاً آمناً» لها.

هذا ملاذ له جذوره، ولم يأتِ من باب رد الفعل على قرارات دول مجلس التعاون الخليجي، حتى لا تتذرع الدوحة بكونها مضطرة من باب أن لا مسار جوياً إلا عبر إيران، وأن لا منصات للاستيراد إلا عبر إيران أيضاً.

لو لم تكن العلاقات السرية بين إيران وقطر قائمة وفاعلة، لما دخلت طهران على خط هذه الأزمة في سعيها لإغراق قطر في مستنقعها، وتحويلها إلى دولة أسيرة في سجونها.

السياسة القطرية لا يمكن أن تواصل جمعها للمتناقضات، إذ كيف يمكن لها أن تواصل دعم التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، وتحارب عبرها إيران في هذين البلدين، وفي الوقت ذاته تدعو إلى علاقات متوازنة معها، وتحض دول الخليج العربي على تبريد خلافاتها الساخنة مع الإيرانيين.

هذا يعني أن قطر ستدفع ثمناً في كل الحالات، ونحن أمام صفقة إيرانية - قطرية ستكون من أهم نتائجها مساعدة طهران على التمدد في دول عربية، إضافة إلى شق وحدة صف مجلس التعاون الخليجي عبر هذا الانقلاب الذي وقعت فيه الدوحة، التي كانت تدعي طوال تاريخها رعايتها للإسلام «السياسي السنّي»، فإذ بها اليوم تكشف عن قدرة عز نظيرها، على جمع المتناقضات في معادلة واحدة، والعبث بكل تكوينات المنطقة التاريخية لأجل زعامة واهية يراد فرضها على المنطقة.

لا خيارات أمام قطر، فهي لا يمكن لها أن تهرع باتجاه إيران وفي الوقت ذاته تدعي عروبتها، وقدرتها أيضاً على عدم معاداة القوى الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً أن أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، إضافة إلى واشنطن، أعلنت جميعاً الحرب على إيران وإرهابها.

هذه فرصة لا تتكرر لإيران لتكريس الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي، ولشق وحدته، ولجعل قطر تدفع ثمناً عن ملفات سابقة تورطت فيها، والمؤكد أن طهران تحتفي اليوم بهذا الحليف المستجد، وتريد ثمناً كبيراً في سوريا والعراق مع كلفة ارتدادية على دول المنطقة.

إدارة القطريين لهذه الأزمة تثبت شعورهم بالعظمة الزائفة، إذ إن تصريحات وزير الخارجية القطري اتسمت بالبرود، للإيحاء أن لا شيءَ مهماً حدث، وأن هذه عاصفة مفتعلة يمكن السيطرة عليها وتصغيرها، وهذه اللغة التي لجأ إليها الوزير تثبت غياب البصيرة السياسية، إذ لا يمكن إدارة الأزمات بهذه الروحية التي تتجنب الاعتراف بالمشكلة، وتواصل التلاعب بالكلمات والدلالات.

إن اندفاع قطر باتجاه إيران أكثر وأكثر سيشكّل خطراً كبيراً على ذات الدوحة، فإيران خط أحمر نظراً إلى تهديدها أمن الخليج العربي والعالم، وبدلاً من التصرف بحكمة والتخلي عن كل ما يتسبب في غضب أشقاء قطر، تظن الدوحة أن المزيد من الاندفاع باتجاه إيران قد يعكس المعادلة، ويجبر دول الخليج العربي على استرضاء الدوحة، وهذا وهم سياسي في خضم إعلان العالم موقفه المعادي لإيران.

لقد قالت ذات مرة الإعلامية الكويتية عائشة الرشيد وقبل سنين: «إن قطر ستنسحب في النهاية من مجلس التعاون الخليجي، وستتحالف مع إيران علناً»، واليوم إذ نرى هذه الرؤية على وشك التحقق، نضيف إليها أن قطر ستكون هي الخاسرة الوحيدة، وهي خسارة لا نحبها للشعب القطري الذي يبقى منا ونحن معه.

الهروب باتجاه إيران لا يختلف عن الهروب إلى جهنم تجنباً لحرارة الشمس، وهذا والله دليل على عمى البصر والبصيرة.

Email