المعرفة بين الماضي والمستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتعجب من التنكُّر ونسيان حضارتنا وتاريخنا لدى البعض من هذا الجيل، حيث أصبح تقمص المظهر والتصرفات الغربيَّة دليلاً على التمدن والتطور.

صحيح أن ظروفاً أثرت في استمرار صعود الحضارة العربية الإسلامية، لكن يجب أن يتم زرع الفخر والانتماء للهوية العربية والوطنية، فلا تتوقع من شاب امتلأ ذهنه بمعتقدات مؤسفة عن ماهية التطور، ويظهر مدى تمدنه ومواكبته العصر بواسطة ثيابه التي يحرص أن تكون آخر الصيحات، وأجهزته التي يستعملها من أجل الترفيه وتصرفاته المقتبسة من نجوم الغناء الغربي، لا تتوقع منه أن يبني مجداً أو فخراً عربياً، أو أن يضيف شيئاً لوطنه.

إن غرس الانتماء والحب والفخر للتاريخ العربي لدى الشباب هو الخطوة الأولى والمثالية لبناء حضارة عربية تسود العالم بواسطة السلام، ولقد أحسنت الدكتورة حنة آرنت، في كتابها «بين الماضي والمستقبل»، وهي تدافع عن الماضي وعن العلماء الذين أثروا الإنسانية بآرائهم ونظرياتهم، حيث قالت: «نستطيع أن نرد على أولئك الذين كثيراً ما يقولون لنا إن أفلاطون أو غيره من عظماء الكتاب الأقدمين قد جاء من ينسخ فلسفتهم ويبطلها، ونستطيع أن ندرك أنه حتى لو كان انتقاد بعضهم لأفلاطون صحيحاً، فقد تظل رفقة أفلاطون أفضل من رفقة منتقديه».

وعلى كلٍّ، فلنتذكر ما ينبغي أن يكون عليه الشخص المثقف في عرف الرومان، وهم أول شعب اهتم بالثقافة اهتماماً جدياً كاهتمامنا حين قالوا: المثقف هو الشخص الذي يحسن اختيار رفاقه من بين الرجال، ومن بين الأشياء، ومن بين الأفكار، من الحاضر ومن الماضي على حدٍّ سواء.

والمهمة يسيرة وليست معضلة كبيرة، ففي الوطن العربي عشرات العشرات من المؤسسات والهيئات التي تم إنشاؤها من أجل حماية التراث، وما على هذه الهيئات إلا تطوير أساليبها وتغيير نمط عملها ليكون أكثر إنتاجية وفعالية، وتصميم برامج تستهدف أطياف المجتمع المختلفة، وتجذبهم ببرامج مشوقة ومسابقات وفعاليات للتعريف بعمق حضارتنا وإرثنا الإنساني والفكري.

Email