عبء الجميل ومسرّة الانتقام

ت + ت - الحجم الطبيعي
التجوال في كتب الأقدمين الغنية بالأفكار والعلوم، على اختلاف طبيعتها وتنوعها، التي أغنت الحضارة الإنسانية على مدى الحقب الزمنية، وأهمها الحكمة، محال أن يخرج الإنسان منها بلا محصول وفير، يؤهله لكافة ميادين الحياة، بما فيها مواجهة التحديات؛ فقد جاء في كتابات الأولين، ما يخص الصديق ومنحه الثقة الزائدة. وما يخص العدو وكيف تستخدمه لفائدة. والموضوعان يشيان بمسألة مهمة لإنسان العصر، الذي أحوج ما يكون إلى تجارب الأولين وآثارهم التي خلّفوها للبشرية.
 
ففي ما أراده روبرت غرين، في كتابه (قواعد القوة)، أن يكون قانوناً أو ما شابه، يحفظه الناس، ويتنبهون لأهمية محتواه، تحذيره التالي: (كن حذراً من الأصدقاء. فسوف يخونونك على نحو سريع، لأنهم يُستفزون بسهولة إلى الحسد. كما أنهم يُفسدون ويصبحون طغاة. ولكن استأجر عدواً وستجد أنه يصبح أكثر ولاءً من صديق، لأن عليه أن يثبت الكثير. والواقع أن لديك ما تخافه من الأصدقاء أكثر من الأعداء).
 
وكلام كهذا يكاد ألا يؤخذ في الاعتبار، لو لم يوجد ما يتسق معه، في مذكرات ديان دي بوتييه - عشيقة هنري الثاني ملك فرنسا 1566 -1499. في جملة لخصت المعنى: (للحصول على عدو جيد، اختر صديقاً؛ فهو يعرف أين يضرب). وهنالك مقولة مشهورة للشاعر فولتير، يمكن إضافتها ليتوضّح المشهد. هي: (اللهم احفظني من أصدقائي؛ أما أعدائي فأنا كفيل بهم).
 
وكان للعرب نصيب في هذا المنحى. جاء في الأثر: (يؤتى الحذرُ من مأمنه). ويذكر أنّا مررنا في قراءاتنا المبكرة، على قول كرّس مثل هذا المعنى. هو: (احذر عدوك مرةً، واحذر صديقك ألف مرة). وأدلى المتنبي بشعره: (فلمّا صار ودّ الناس خبّاً - جُزيتُ على ابتسامٍ بابتسامِ. وصرتُ أشك فيمن اصطفيه - لعلمي أنه بعض الأنام).
 
ولعل في ما قاله المؤرخ تاسيتوس 120م. جزءاً من الحقيقة: (الناس مستعدون للرد على الأذى، أكثر من استعدادهم لمكافأة الإحسان؛ فالعرفان بالجميل عبء، أما الانتقام فمسرّة).
 
Email