هموم الحَرْف العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان يلفت نظري مشهد شخص جالس يمسك قلماً، بين السبابة والإبهام، يهم بكتابة أول حرف عربي من كلمة؛ كيف هي قبضته للقلم، واتكاء ذراعه على المنضدة؛ إلى الداخل قليلاً مع استعداد لإراحته نحو الخارج، كلما اقتضى التعبير، وتوق الحرف لحروف أخرى تالية، وتركيز البصر مع شحنة من القلب على ما سيشكله الحرف من كلمة.

كنت اجتهد، أحياناً، بما أودعه الكاتب من مشاعر في تلك الكلمة، التي تستدعي كلمة أخرى ثانية فثالثة، لتصبح جملة، وتتعالق الجملة مع جاراتها الأخريات فيشكلن فقرة تنحو لاكتمال الكتابة.

قد نسميها نصاً أو خطاباً، فثمة فروقات بينهما سرديتها تطول، لكن مشهد الشخص الجالس يمسك قلماً ويهم بالكتابة لم أعد أراه لأفرح. حُرم منه تقريباً جيلنا بأكمله، إن لم يكن أكثر، فقد جرى تغييب خط الحرف العربي، ولم يعد له مكان في التعليم العام في أغلب المدارس العربية، بما فيها مدارسنا في منطقة الخليج، رغم سعي الأخيرة، لتكون الأحدث تعليماً وأسلوباً، والأكثر مواكبة للعصر، لكن المواكبة أو المثاقفة، على أهميتهما، لا تعنيان النأي عن الثوابت:

اللغة العربية، والحرف العربي، وفنية الخط والتدرّب عليه، جنباً إلى جنب مع الحداثة في الفكر. أخبرني مطلع على الأمور، موثوق، بأن كليات الفنون الجميلة في الجامعات لدينا ليس فيها، كما يفترض، مادة فنية خاصة بالخط العربي، وفي المدارس تلحق مادة الخط باللغة العربية، بينما الأسلم أن يعتنى به، ضمن المادة الفنية، كونه فناً بذاته.

ليس في وسع أي امرئ في العالم إلا تقدير الحرف العربي وإجلاله. سر ذلك ينبع من جمال شكله وتكوينه الفني البصري، وما يكتنفه من فضاءات تحفز على التأمل، ويعد أحد مكونات الهوية العربية الإسلامية، خاطب الله به البشرية جمعاء على اختلاف ألوانهم وألسنتهم، فنزّل به القرآن الكريم، الأسمى قداسة بين الكتب.

Email